لم يعد بالإمكان الدفاع عن حزب الدعوة الإسلامية بعد هذه التجارب المتكررة في رئاسة الوزراء. ستكون مجازفة محققة لمن يحاول الدفاع أو شرح الظروف وتفسير الملابسات. القادة والكادر المتقدم في حزب الدعوة أنفسهم لم يجازفوا في الدفاع مع ان النقد الحاد والاتهامات الكبيرة تستهدفهم جميعاً وتنال من مصداقية الحزب، ومع ذلك لا نقرأ دفاعاً رسمياً، ولا نسمع رأياً مسؤولا.
صار حزب الدعوة بعد تجربة الحكم، بنظر غالبية الشارع العراقي، يمثل الفساد والفشل والكذب والخداع وغير ذلك من اوصاف الحاكم الظالم الذي لا يحترم الشعب والانسان والقيم والمبادئ والأخلاق.
في بضع سنين أتى مجموعة من القياديين على تاريخ نصف قرن بأكمله، نصف قرن من التضحيات والمواقف والثقافة والعمل والنشاط، أحرقوا تجربة كانت تمثل أملاً فصارت بؤساً مشؤوماً في عيون الكثيرين وعلى ألسنتهم.
حزب الدعوة اليوم بلا قيادة، ليس هؤلاء قادته، فمعظمهم يستغل اسمه، يعتاش على التسمية، يرتزق منها، ولو وجدوا بديلاً يخدم مصالحهم لما ترددوا في الارتماء فيه. ليس هذا الكيان الذي ينتمي اليه حيدر العبادي ونوري المالكي وعلي الأديب وعبد الحليم الزهيري وعلي العلاق وصادق الركابي وحسن السنيد ووليد الحلي وعباس البياتي وكمال الساعدي وفلان وفلان هو حزب الدعوة الذي عرفه العراق، والذي يشكل جزءاً كبيراً من ذاكرته السياسية والثقافية.
حزب الدعوة الذي يجري تداول اسمه حالياً، هو حزب مسروق، سرقه خضير الخزاعي مثلما سرق وضوء الصلاة، وسرقه عبد الفلاح السوداني مثلما سرق قوت الفقراء، وسرقه عبد الكريم العنزي مثلما سرق عقارات الدولة ومستودعاتها.. وسرقته بقية الأسماء المتداولة في المشهد السياسي الحاكم.
حزب الدعوة الحقيقي هو الذي يعرفه العراق، هو ذاك الذي أسسه الامام الشهيد محمد باقر الصدر، وضم في قيادته وعضويته عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي وعز الدين سليم وعارف البصري ونوري طعمة وجواد الزبيدي ومهدي العطار وآلاف الشهداء من الدعاة الأبرار.. وحزب الدعوة هو الذي ضم في عضويته مرتضى العسكري ومحمد مهدي الآصفي ومحمد حسين فضل الله وحسن نصر الله ومهدي عبد المهدي وضم مجموعات صادقة صافية مخلصة من قوات الشهيد الصدر وانضم اليه الآلاف والآلاف من الشهداء ومن المجاهدين المناضلين الذين ساروا باتجاه واحد وعلى خط واحد نحو هدف واحد.. كانوا يحملون رسالة الدعوة في التغيير وخدمة المجتمع والانسان.
حزب الدعوة هو الذي يرى في السلطة وسيلة من وسائل الخدمة العامة، وخطوة من خطوات العمل، وليست هدفاً وغاية.. ويرى أن الذي يتولى حكم البلاد هو الأكفأ حتى لو كان من خارج كيانه.
من الظلم أن يتحدث بعض الإعلاميين عن فشل حزب الدعوة، بينما تاريخه وفكره ومساره يبرأ من هؤلاء الذين أساءوا الى الشعب العراقي. فهل يمكن أن نرمي الأنصار في صدر الرسالة بالنفاق لأن بعض أفراد الأوس والخزرج كانوا منافقين؟.
هل من الانصاف أن نتهم أصحاب الأئمة عليهم السلام بالسرقة لأن بعضهم خان إمامه واستولى على أمواله؟.
يستند حزب الدعوة الإسلامية الى تراث فكري ومفاهيمي ضخم، ومن مرتكزاته الفكرية ما خصصته النشرة المركزية في عددها العاشر بعنوان (أزدواج الشخصية) حيث دعت الى أن الحزب في حال ابتعد عن خطه الإسلامي ولم يتمكن من مراجعة مسيرته وعجز عن الإصلاح فمن الواجب عليه أن يقوم بحل الحزب، لأن سمعة الإسلام وتاريخ الدعوة هي القيمة العليا التي يجب أن لا يلحقها ضرر في تصور الجمهور.
لقد بدأت الانتكاسة في شكلها المكشوف، بعد فترة وجيزة من ولاية المالكي الأولى، حين تنافس بعض قياديي حزب الدعوة على إظهار الولاء للمالكي من أجل الفوز بالمكاسب، وحاربوا كل نصيحة لتصحيح المسار، وواجهوا بغضب كل عملية نقد تؤشر على الخطأ منذ البداية. ومضوا على ذلك في ولاية المالكي الأولى والثانية وحين أدركوا بأن الثالثة لن تكون له، يمموا وجوههم شطر العبادي في نفس الطريقة السابقة، لقد امتهنوها فأجادوها.
كنا مجموعة نكتب في موقع (الوسط) .. مجموعة من الدعاة لبثنا في حزب الدعوة عمراً، وكنا نكتب عن تاريخ الدعوة وعن المخاطر التي تواجهها نتيجة هذا الانجراف المتهالك على المكاسب والامتيازات، وعن تحول المالكي الى التفرد والحكم العائلي، وعن نفوذ ابنه واصهاره في مفاصل مهمة من الدولة، وعن أمور كثيرة أخرى، فكان الجواب المضاد يأتي هجوماً عنيفاً ونقمة بالغة الغضب. وفي المرات القليلة التي تجري فيها الحوارات والاتصالات، كنا نتمسك بثوابت الدعوة الاسلامية في استخدام السياسة لخدمة الشعب لا خدمة الشخص، وفي كون الداعية نموذج العامل للصالح العام لا للصالح الخاص، وفي كون الداعية اول من يضحي واخر من يستفيد.. كنا ندعوهم للإحتكام الى تلك الأفكار وهي الفيصل بين ما نريد وبين ما يفعلون، فيكون الجواب صمماً وهجوماً واتهامات.
ذات يوم جمعني المكان مع الدكتور وليد الحلي، فتحدثت اليه عن خضوع القيادة للمالكي وعن تحكم ابنه احمد بهم وبمراكز القرار، وكذلك اصهاره، فأين قيم حزب الدعوة وماذا بقي منه؟. فأجاب الحلي بأنه في بعض الحالات استطاع أن يُقنع الحاج احمد نوري المالكي بالتراجع عن موقفه. لقد اعتبر ذلك شجاعة نادرة وانجازاً رسالياً لا يقوى عليه غيره. إن المقياس قد إنقلب عنده فصار يرى الخلل صحيحاً، وهانت عليه كرامته فجعلها رهينة لشاب طائش. وقد تحول الدكتور الحلي الى صوت ناقم على المالكي بعد أن تلاشت إمكانية الولاية الثالثة، ونقل متاعه وكرامته الى العبادي يسبح بحمده بكرةً وأصيلاً.
وجمع المكان يوماً أحد كتاب (الوسط) مع القيادي الدكتور عبد الزهرة البندر فسأله الأخير عن رغبته في الذهاب الى بغداد، فقال له: أرغب بذلك لكن أحد اصهار المالكي توعدني بالاعتقال فور وصولي الى المطار عقاباً لما أكتبه في موقع (الوسط). فأجابه الدكتور البندر بأنه سيتوسط عند صهر المالكي ليسمح له بزيارة العراق. لم يتوقف الدكتور عبد الزهرة البندر بتاريخه وموقعه القيادي عند الموازين المقلوبة والخلل الفاضح، بل تعامل على ان القضية طبيعية، وانه سيقدم لمحدثه خدمة كبيرة بإقناع شاب متهور نصفه خواء والنصف الآخر جهالة، حتى يرفع غضبه عنه.
وعلى هذه الوقائع شواهد كثيرة، وعلى هؤلاء وأمثالهم الذين تنقلب عندهم الموازين ينطبق قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ).
أرجو من الاخوة القراء الكرام، بعض الصبر، واعذروا تأخري وتقصيري في الرد على كل رسائلكم فهي كثيرة ولكم الشكر عليها، سأواصل الكتابة وستقرأون الكثير في سلسلة (إسلاميو السلطة)، والله المستعان.
https://telegram.me/buratha