يقول آرنولد توينبي أن حراك الحضارات الذي تقوم به الشعوب, هو ناتج عن مبدأي التحدي والإستجابة, فكلما كثرت عوامل التحدي على شعب ما, كانت استجابته أكثر قوة وعصفا وتخريبا؛ ماذا لدينا هنا, لدينا شعب يحب الحياة, سلبت منه الحياة مع الحكومات السابقة التي تفننت في أمرين: سلب وسرقة إحترافية, ومهارة قل نظيرها في تخدير الشعب وإيهامه بأن أعدائه يمثلون هذه الجهة, وتلك الجهة, وبقي المواطن يعيش في هذا الخراب المستمر على مدى 8 أعوام عجاف, وسلوته الوحيدة هو كبته وصبره؛ إلى أن جاءت ساعة الإنفجار, ليطالب بحقوقه, ولكن بعد ماذا!
بعد أن غادر السراق الحقيقيون دفة الحكم, وسلبوا معهم أكثر من 8 أعوام من عمر وتأريخ هذا البلد وشعبه, وسلبوا معهم أكثر من 800 مليار دولار من ثرواته, وباعو أكثر من ثلث أراضيه لعصابات التكفير, وجاء سوء الحظ مع هذه الحكومة الجديدة, والتي ولدت وهي تحاول بناء وترميم ما خربه السابقون, ولكن هيهات أن يسمح لهم أحد بذلك, فالفاسدون في الدولة لا زالو موجودين, وحتى إن كان هناك عدد من السياسيين او المسئولين لديهم قليلٌ من خوف الله, فسوف لن يُسمح لهم بالعمل, وكيف يُسمح لهم بذلك, ومافيات الفساد باتت متحكمة بأغلب مفاصل هذا البلد, والناس في غفلة من أمرها.
الفساد المالي والإداري, ضرب عمق الممارسة الوظيفية والإدارية في هذا البلد, حتى تحولت بعض الوزارات الى مقاطعات عشائرية, وتحولت بعض الدوائر إلى أوكار عصابات, وفي هذه وتلك كان المواطن هو الممتهن والمهان, والمسلوب حقه وحقوقه, فكل شيء في هذه المفاصل الحكومية والإدارية تم السيطرة عليه, بعضهم يقول أن هناك مؤامرة على العراق, وأن هؤلاء الأشخاص موجودون كل في مكانه, بحسب خطة مرسومة لتحقيق عوامل الانهيار, ومنهم من يقول أن أغلبهم مرتبط بأحزاب سياسية, تحاول أن تجعل من المرافق العامة إحدى شرايين دماء هذا الشعب, لتمتص خيراته.
أنا شخصيا لا أحب موضوع المؤامرات, ولكن هناك أمر قد أثار استغرابي, واضطرني فعلا إلى الشك, بأن هناك من يرسم ويخطط ويحرك ويأمر, وإلا كيف تستطيعون إقناعي, بأن مظاهرة موظفي الخطوط الجوية العراقية, والتي قاموا من خلالها, بتحريك عدد من طائرات الأسطول الملاحي العراقي الجوي, وقاموا بإيقافها وسط شوارع بغداد, وسدوا الطرق على الناس, كيف تقنعونني بأن ذلك حصل لوحده! وبدون وجود تخطيط مسبق, خاصة وأن تحريك الطائرات, هو أمر ليس بالسهل والهين, فهو ليس كتحريك سيارة, إذ أنه يتطلب توفر المدارج وتشغيل أبراج المراقبة, وأخذ أوامر خطية من المدراء الكبار والمسئولين, وتهيئة خطوط الملاحة والأجواء؛ وكل ذلك يحصل بدون علم الدولة! وبدون علم الإدارة المدنية! ألا تعتبرون أن ذلك يعد خرق أمني واضح؟! فغدا أي شخص يستطيع اختطاف طائرة ليحقق مآربه!
بالنسبة لي أشك بأن مثل هذه الإجراءات تمر دون وجود تخطيط مسبق لها وعلى أعلى المستويات.
عفوا أعتذر: المظاهرة وقطع الشوارع, حصلت من قبل موظفي سكك الحديد, والذي قطع شوارع بغداد هي القطارات وليست الطائرات, ولكن أتعلمون أن كلاهما متشابهين من حيث صعوبة إجراءات التشغيل والتسيير, وأن الإختراق الذي حصل اليوم في القطارات, قد يحصل غدا في مجال الطائرات.
هل فعلا هو أمر دُبِرَ بليل؟! هل هو بقايا ورواسب ما بقي من مافيات فساد الحكومة السابقة بلباس الحكومة الجديدة!!؟ أترك الجواب لعقولكم!
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآيديولوجيات السياسية المعاصرة.
https://telegram.me/buratha