===============
مقدمة
===============
في كل جيوش العالم , هنالك محاكم عسكرية منفصلة عن المحاكم المدنية , استناداً الى خصوصية الاطراف المتنازعة في المحكمة والى طبيعة القضايا العسكرية ومافيها من اسرار ومعلومات ,الا ان انفصال المحاكم العسكرية , لم يخرجها في دول العالم من الاطار الدستوري , فهي لها ارتباطها الاداري والقانوني بالهيئات القضائية العليا , ولها كامل الاستقلالية عن الوزراء الامنيين والعسكريين وجنرالاتهم , وهو الامر الذي ينطبق على كل دول العالم , الا العراق !!!.
===============
خروقات دستورية فاضحة
===============
ان الامر لدينا في العراق مختلف بشكل مختل وفاضح , فالمحاكم العسكرية عندنا مرتبطة بوزاراتها , في تحد صارخ للدستور ومبدأ الفصل بين السلطات ,حيث ترتبط المحاكم العسكرية بوزير الدفاع ومحكمة قوى الامن الداخلي بوزير الداخلية , وكذا الامر في التشكيلات الامنية الاخرى .
وحين نصف الامر بانه مختل وفاضح , فانه توصيف بلا اية مبالغة , اذ ان ارتباط مؤسسات قضائية وخضوعها الى توجيهات وسلطة وزير تنفيذي , يعد تدخل بالضد من العدالة , وتداخل وجمع لسلطات تشريعية وتنفيذية بيد مسؤول امني كبير , وهي دكتاتورية علنية تجعلنا نشكك بالاحكام القضائية العسكرية ولانطمئن الى معاييرها وموازين عدالتها , لان قضاة هاتيك المحاكم ليسوا مستقلين , وليسوا بمنأى عن ضغوط مكتب الوزير الذي يتبعونه , وهي سلطة استثنائية باتت محببة لدى الوزراء الامنيين , ففيها ابواب مشرعة لهم لابتزاز المتهمين (وبالاخص الفاسدين منهم, وكفى الله المؤمنين شر القتال !!!!!), ولعله كان السبب في تنوع المحاكم العسكرية بحيث باتت لكل جهة امنية محاكمها وضغوطاتها وابتزازها ورشاواها وخرقها للدستور !!!!.
وللامانة فان وزير العدل ذاته , لايمتلك ميزة الوزراء الامنيين ومحاكمهم , لانه لايمتلك ترف التأثير على القضاة المدنيين , فهم , ببساطة , مستقلون عنه , ولايستطيع التأثير عليهم.
=============
مهزلة المجالس التحقيقية
=============
وللاسف الشديد فان الامر لايقف عند حد المحاكم , لكنه يبدأ منذ الخطوة الاولى , اي من المجالس التحقيقية داخل الوحدات العسكرية , وهي مجالس ليس لها اطار قانوني واضح , ولاعلاقة لمعظم اعضائها بالتحقيق الجنائي او بالقضاء , عدا عن ان تلكم المجالس (وهي بعشرات الالوف )كانت مصدر اهدار لوقت الاف الضباط المنسبين اليها .
الا ان النقطة الجوهرية في تلك المجالس تتمثل في طبيعة خضوعها للآمرين , وبالتالي فان نتائجها مرتبطة بمدى الضغوط التي يتعرض لها اعضاء المجالس التحقيقية , ناهيك عن الاحتمال الوارد في ابتزاز المتهم سواء كان مجرماً او بريئاً ,ونسجل هنا ان القضاء العسكري لم يحاكم اي عسكري فاسد , لان المؤسسات القضائية العسكرية ليست بمنأى عن الفساد وتأثير الفاسدين.
=============
حلول جذرية
=============
بلا شك فان المؤسسات العسكرية والامنية العراقية تلتهم اضخم حصة من موازنة الدولة , وهي من اكبر المؤسسات في جسامة ماملقى عليها من مهام , وهي اكثر المؤسسات احتواءاً على اسرار الدولة العليا, وهما من اكبر المؤسسات من حيث اعداد افرادها , ولكل ذلك فلا شك من انها بالضرورة تكون من اكثر المؤسسات مطمعاً للخرق الاستخباري والاكثر مطمعاً للفساد المالي والاداري .
لكل ذلك , فلا بد من ان تتمتع تلك المؤسسات بانظمة مُحكمة تقيها من المخاطر , وتضبط اداء افرادها وجيوشها , وان تكون لها خصوصيتها وفي ذات الوقت لاتخرج في ضوابطها عن الدستور .
لذا فان الحل الامثل هو في توحيد المحاكم العسكرية والامنية بمحكمة واحدة تنظر في قضايا الداخلية والدفاع والامن الوطني وجهاز المخابرات (ولاحقاً الحشد الشعبي) , على ان ترتبط تلك المحاكم وقضاتها بمجلس القضاء الاعلى , ولايكون لاي احد من كوادر الوزارات الامنية اية سلطة من اي نوع على المحكمة .
وتكون لتلك المحكمة العليا فروع في كل المحافظات , وان تكون قوتها الضبطية هم افراد الامن العسكري في الوحدات العسكرية , حيث يلزمون باحضار المتهم ومتابعة الاجراءات القضائية وختامها السجون العسكرية المختصة .
ويشتمل النظام المقترح الغاء كافة اشكال المجالس التحقيقية الكيفية , وابدالها بكراس مركزي مجدول , يشتمل على كافة المخالفات الضبطية كالغياب والعبث و..... , وتشتمل الجداول على عقوبات ضبطية محددة لامجال فيها للتلاعب (سواء بالتشديد او المحاباة ) من قبل الضباط والامرين وبالتالي ستكون الجرائم العسكرية على صنفين : مخالفات ضبطية (مخالفات للوائح وانظمة) واخرى ذات طابع جنائي , فالضبطية منها يتم التعامل معها وفق عقوبات مسبقة معروفة يعرفها مرتكب المخالفة مسبقاً من خلال كراس ضبطي موحد لكل صنوف القوات الامنية والعسكرية , والجنائية منها ترفع للمحاكم العسكرية لتتعامل مع الجريمة وفق القوانين دون ان يكون عليها سيف مسلط من الوزير او مكتبه او المجالس التحقيقية , ذلك ان الوزير ذاته قد يحاكم امام تلك المحاكم اذا ما استدعى الامر ذلك .
==============
خلاصة
==============
الدساتير وضعت لكي تحترم ,لا ان تخترق من قبل مؤسسات هي الاكبر والاكثر والاخطر والاهم , ونحن في مرحلة خطيرة من التحديات الامنية والاقتصادية , وقد واجهنا منذ سقوط الموصل معضلة تسيّب القرار القضائي العسكري وعد صرامته في مواجهة قادة عسكريين اضاعوا ثلث اراضي العراق , ولم يعد المواطن يعرف الجهة المرجعية التي تقاضيهم , هل هي مجالس تحقيقية عسكرية ام لجان تحقيق برلمانية في لجنة الامن والدفاع ام محاكم عسكرية؟؟؟.
لذا لابد من انهاء الصورة المشوشة للقضاء العسكري وضبط ارتباطاته بما يتناسب مع الدستور وبما يحفظ هيبة القضاء العراقي واستقلال القضاة والقضاء.
https://telegram.me/buratha