تحظى بعض المدن، بخصوصية ربما تتعلق بموقعها، أو وجود مؤسسات مهمة، أو أثار أو مقدسات فيها. هذه الخصوصية مثلما تمنحها ميزات، فإنها تفرض عليها واجبات، تتعلق بخصوصيتها وما تتطلبه من التزامات، كإستقبال الوافدين، أو طبيعة المجتمع والحياة التي تدور فيها.
تكاد المدن المقدسة في العراق تعد على أصابع اليد، فالنجف الأشرف وكربلاء وسامراء والكاظمية، هي أهم المدن الدينية، لقداسة المراقد المتواجدة فيها، رغم أن هناك عشرات المراقد والمزارات المقدسة، منتشرة على طول العراق وعرضه.
تنفرد النجف بخصوصية، إحتضانها مرقد الإمام علي ابن أبي طالب، عليه وأله أفضل الصلوات، وزادت خصوصيتها، حينما أصبحت مقرا للحوزة العلمية الشريفة، وزادت تلك الأهمية خطورة، بعد سقوط حكم البعث عام 2003، وتولي أحزاب إسلامية مقاليد الحكم.
رغم الطبيعة الدينية والمحافظة للمدينة، وإكتساح التيارات الإسلامية للساحة العراقية، إلا أن السلطة في المحافظة، وصلت لجهات، تجاهر بعلمانيتها، في ظاهرة بينت الفجوة بين تلك الأحزاب والمجتمع النجفي، لأسباب تتعلق بكيفية، تعاطي تلك الأحزاب مع المجتمع المحلي، وطبيعة المجتمع النجفي، والتغيرات بل القفزات بين الأجيال.
أبان حكم نظام البعث، أستهدفت المحافظة بشكل مركزي، وكان يتوقع أن يتغير حالها بعد سقوطه. لكن ذلك لم يحصل، على الأقل بمقدار ما كان متوقعا.. فعمل بلا تخطيط، وإتهامات بالفساد مهولة، تبادلها من في السلطة بينهم، وفشل كبير في الخدمات، ومشاريع غير منجزة، وما انجز منها مليء بالأخطاء الهندسية، ولم ينفذ ضمن المواصفات المعلنة أو المطلوبة، وتبديد للموارد والميزانيات، في مشاريع مجهولة الهدف والأثر.. وعلامات إستفهام كثيرة، طالت حتى ألية إختيار المناصب في المحافظة، ولمختلف المؤسسات.
من المنطق القول، أن الأزمة الاقتصادية، وإنخفاض أسعار النفط مؤخرا، أثر بشكل كبير على المحافظة، كجزء من البلد، لكن الفشل المستمر منذ عدة سنوات، والعمل الإرتجالي العشوائي، بمجال تقديم الخدمات، وتحسين ما موجود منها، لا يمكن تبريره. فهو مشكلة موجودة منذ عدة سنوات، والأزمة الاقتصادية، فقط نقلته إلى مستوى الكارثة.
يظن مؤيدو نظريات المؤامرة، وهم كثر وبإزدياد، أن القضية تتعلق برغبة خارجية، لإفساد المحافظة ومجتمعها، كونها قلب المذهب الشيعي، وحاضرته المستقبلية في الدولة الموعودة، ولها دور عظيم في التهيئة لتلك الدولة. فيما يسطح معارضوهم القضية، فيرون أنها مجرد قضية عدم توفر أموال، إستغلها مفسدون لإفشال الخدمات، ويرى أخرون أن الموضوع هو مجرد فشل وفساد، لأفراد طلبا للمال.. ولا تخلوا القضية من كل ذلك مجتمعا.
كل هذه الآراء وإن إختلفت، فهي تتفق على أن هناك فشلا حقيقيا، فيما يتعلق بالخدمات، وفسادا كبيرا في مشاريعها، وأن الأموال التي صرفت كبيرة جدا، ولا تتناسب مع ما أنجز، وأن الشركات المنفذة، على معظمها أكثر من علامة استفهام.
أين الحقيقة في كل ذلك وعند من؟ وأين كان مجلس المحافظة من القضية؟ ولما سكت عن هذا الكم الهائل، من المشاكل والفشل والفساد لحد الأن؟ ألا تظنون أن إستجواب المحافظ المزمع خطوة متأخرة بعض الشيء؟
يقال في المثل، أن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل, لننتظر ونرى ما سيتمخض عن ذلك.. جمل أم فأر.
https://telegram.me/buratha