المقالات

الإصلاح السياسي والعفو عن المجرمين (القتلة والسراق والإرهابيين) أنموذجا

1460 02:50:48 2015-06-26

من المفترض أن تكون الدولة هي المثال الأعلى للأخلاق, لأن ما هو مناط بها هو تنشئة المجتمع تنشئة, إما أن تكون وطنية أو دينية, أو أخلاقية انسانية عامة, أو قانونية؛ كل دولة بحسب منهجها وآديولوجياتها القيمية التي تؤمن بها.
عندما أَقرَّت القوانين السماوية والوضعية مبدأ العقوبة, كان ذلك من أجل خلق نوع من حالة الإنضباط العام في المجتمع, وإيجاد حوافز سلبية من أجل تنظيم حياة الناس؛ لذا كانت العقوبة من محاسن الأمور في تربية المجتمعات, وفرض الإستقرار, وإقرار أهم مبدأ فيها, ألا وهو مبدأ العدالة, مع أن مفهوم العقوبة هو بحد ذاته, مفهوم ينحو نحو السلب لا الإيجاب, لأنه قائم على مبدأ الفرض والإلزام.
مشكلة إقرار قانون العفو العام في العراق, وما فيه من تجاذبات وصلت لحد الخصومات, يقف في أساسه على أسس مرتبكة, ضبابية, غير واضحة المعالم, يحاول المطالبون به لَيّ النصوص, لجعل هذا القانون مقتصرا على مسايرة ضوابط العدالة القانونية! ضاربين عرض الجدار مبادئ العدالة والإنصاف الدينية والمجتمعية, والتي يمثلها في أغلب الحالات, أبناء الشعب المجني عليهم, ممن وقع عليهم الظلم والجور. 
من هم المعنيون بقانون العفو؟ من هم المشمولون به؟ إذا أردنا أن ننظر للموضوع من ناحية قانونية, نرى أن العفو يقسم في القوانين الجزائية الى نوعان: عفو عام , وعفو خاص؛ ونحن نتحدث هنا عن العام دون الخاص, فالعفو العام هو يصدر بقانون عن مجلس النواب, ويكون موضوعه أفعال إجرامية معينة, بغض النظر عن الشخص أو الأشخاص المرتكبين لهذه الأفعال, فمهمة العفو العام هنا كما يرى القانونيين, هو إزالة الركن القانوني للفعل الإجرامي, وبالتالي يستفيد منه مرتكبيه!

قد نتفق على فكرة أن القانون, هو العقد الاعتباري المبرم بين الدولة من خلال تمثيلها الاعتباري: (السلطة), وبين الشعب الذي يمثل أفراده أصغر وحدات سياسية, لذا فإن للقانون قدسية اعتبارية وقيمية, جعله يبوء بمكانة عالية اتفق عليها أبناء المجتمع؛ ولكن .. مع ما للقانون من قدسية وضعية واعتبارية اتفاقية, إلا أن ما يتفوق عليه في جانب القدسية والاحترام, هو الجانب الأخلاقي والقيمي؛ صحيح أن القوانين لها جنبة إلزامية, وأهميتها كبيرة في تسيير حياة المجتمع, إلا أن تداخل العمل القانوني, مع القيم الأخلاقية والإختلاف فيما بينهما, يجعل الأولوية هنا للجانب الأخلاقي الإنساني.
كيف نستطيع تفسير قانون العفو العام, والذي تستقتل على إقراره بعض الفصائل السياسية في العراق؟ كيف نستطيع تفسيره وهضمه بأجهزة الهضم القيمية والأخلاقية والإنسانية, وهو يحاول أن يزيل ركن (العدالة والإنصاف), بالإفراج عن مجرمين تنوعت جرائمهم وموبقاتهم؟!

قد يقول لي البعض, أنهم يريدون إقرار قانون العفو, من أجل المتهمين ظلما وبهتاناً, نتيجة الأخبار الكاذبة عن المخبر السري!, وأنا أقول لهم, إن هذا الأمر لا يمكن أن يطلق عليه عفو بحسب التعريف القانوني, لأن العفو يصدر على أفعال وأعمال معينة تمثل جنحة أو جريمة, تمت محاكمة أصحابها وإصدار أحكام قضائية بحقهم! أما أن يصدر مثل هذا القرار, من أجل الإفراج عن كل المجرمين : سراق البلد والمرتشين, والقتلة؛ ويستثنى منهم فقط الملطخة أيديهم بدماء الناس!! أي أن المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية والمساعدين والممولين والساندين والمؤيدين واللوجستيين, كل هؤلاء سوف يتم الإفراج عنهم, من أجل تبريرات واهية مصطبغة بخطابات المصالحة الوطنية السياسية, ومؤيدة بإمكانيتها القانونية!!
تبا للقانون, وتبا للمصالحة الوطنية, التي لا تأخذ بالاعتبار آلام ومصاب المظلومين والمجني عليهم, وتساوي بين المجرم والضحية!

*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك