فوجئنا وصُدمنا بما تناقلته وسائل الإعلام العراقية والعربية والعالمية عن دفع خمسين إمراة بينهن قاصرات كتعويض أو فصل عن شجار حدث بين عشيرتين (عراقيتين) وكرد إعتبار للعشيرة المُعتدى عليها وحلاًّ للنزاع الذي أستخدمت فيه العشيرتان جميع الأسلحة المتوفرة لديهما الخفيفة والمتوسطة ولم يبقَ لإنهاء وحسم معركة الكرامة "والشرف" إلاّ سوق عشرات النساء العراقيات وتقديمهن كهديّة من جناب شيخ العشيرة الى العشيرة الأخرى ليُستخدمن كجاريات وخادمات أو تزويجهنّ لإراذل العشيرة وما أكثرهم ... وبلا أدنى أجر! وماعليهن إلاّ الطاعة العمياء ...ومالهنّ من حق في الكلام سوى كلمة واحدة هي "نعم" ...واخجلتاه...وامصيبتاه...
مالذي أصاب العراقيين ؟ أيعقل هذا في القرن الواحد وعشرين تُعامل المرأة العراقية بهذا المستوى من الذل والمهانة ...؟ مرّة تُسبى وتُباع بأبخس الأثمان في الأسواق من قبل الدواعش المجرمين ...ومرّة تُقدم كبضاعة بخسة وتُساق من عشيرة الى عشيرة أخرى وتتحول الى عملة رخيصة بأيدٍ شلّة من الجهلة والمتخلفين لتكون تعويضاً عن خسائرهم البشرية والمادية ؟ والغريب في الأمر أنّ هؤلاء القوم يتقاتلون ويقتتلون فيما بينهم إذا تعرّض أحدهم الى كلمة جارحة تمس الشرف وتمس الكرامة حسب مقاييسهم هم للشرف والكرامة ...أو إعتدى فرد من هذه العشيرة على زرع أو حيوان أو أي شيء مادي من العشيرة الثانية تقوم الدنيا ولاتقعد... حتى تتدخل كافة وجوه القوم وبعض أفراد الحكومة الملائكية من أجل إطفاء نيران المعركة ...ولم تتوقف وتضع الحرب أوزارها إلاّ بعد معاناة كبيرة وبصعوبة بالغة !
أقول إذا كان كسر شجرة أو عضّة كلب في بعض الأحيان تُثير فيكم كل هذه الحميّة ... فلماذا تتهاونون بأشرف وأكرم مخلوق عند الله وبمقاييس الأديان جميعا وبمقاييس الإنسانية ؟ ألم تسمعوا قول الله تعالى ..ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا...لماذا تتجاهلون كلام الله وتهينون من كرّمه ؟ لماذا تحكّمون عصبيتكم القبلية وجهلكم وتكفرون بشرع الله ؟ أنا أعلم جيداً ان هذا الفعل مُستنكر عند الغالبية العظمى من عشائرنا الكريمة التي تؤمن بالله وشرعه وتحترم إنسانيتها وقيمها وتحكّم العقل والدين الذي جعل الجنّة تحت اقدام الأمهات ...أعلم أن هذه العشائر الكريمة ستقف موقفا حازما ومشرّفا ضد هذه التصرّفات التي أخجلت العراقيين جميعا أمام العالم وأساءت الى تأريخ وقيّم الشعب العراقي وسببت إهانة مباشرة للمرأة العراقية التي يشهد لها العالم بمواقفها وصبرها وتحمّلها شتّى صنوف الألم من جراء فقد الأحبّة في الحروب العبثية ونتيجة الإرهاب ...
ماهكذا تكافيء الأم والزوجة والأخت والبنت العراقية ؟ كما نأمل من مراجعنا العظام التدخّل المباشر لمنع هكذا جهل وتعسّف بحق المرأة ... وتبقى المسؤولية الأهم على عاتق الحكومة العراقية على أن تتدخل وتترك المجاملات وتحد من نفوذ المحكمة العشائرية التي تمددت على حساب صلاحيات المدعي العام ... والكلمة الأخيرة والفصل هي للشعب العراقي الذي لم ولن يتهاون ولن يسمح للتقاليد البالية أن تنال من كرامة الأم العراقية وتجعلها سلعة للبيع والسبي ومادة تُهدى بين المتخلفين ...
https://telegram.me/buratha