في كثير من الصراعات والنزاعات, يأخذ أشخاص أو أماكن أو أشياء, مكانة معنوية لدى احد طرفي النزاع أو كليهما, فيصبح رمزا للمقاومة أو الصمود, أو لقوة هذا الطرف وقدرته.
معقدة هي المعركة بين العراق والإرهاب, فهؤلاء يعملون كعصابات تكر وتفر, وتنشر الرعب بأفعالها الوحشية, والمبالغة والتهويل الإعلامي المدعوم أقليميا, بل ودوليا حتى.. يقابله جيش يعمل بطريقة تقليدية, فبقي يلهث خلف تلك العصابات.
تدخل الحشد الشعبي بعد فتوى المرجعية المباركة, ولأنه امتلك القدرة والمرونة, والإيمان بالقضية, وتمكنه من مجاراة تلك العصابات, والقتال بنفس الأسلوب.. أحدث تغيرا في موازين المعركة.
حاولت عصابات داعش وقبلها تنظيم القاعدة, أن تعطي لمدينة الفلوجة بعدا رمزيا, باعتبارها مقر التنظيم وحاضنته الأهم.. وكلنا يذكر أن بداية بروز أسم المدينة, كان حادثة قتل أربعة من المقاولين الأمريكان, والتمثيل بجثثهم بطريقة وحشية عام 2005, لتظهرها الأخبار والتقارير الصحفية لاحقا, على أنها مدينة المساجد, ومعقل الإسلام " السني المقاوم".. وهذا غير واقعي.
الحقيقة أن المدينة برزت فيها التيارات الإسلامية, أواخر سنوات حكم البعث, عندما عمد النظام إلى المبالغة في بناء المساجد وفي كل مكان, ونشر الطرق والمذاهب الغريبة التي تدعي الإنتماء إلى الإسلام, لرغبته في إعطاء صراعه مع الدول الكبرى حينها بعدا دينيا جهاديا, وتحت إشراف نائبه المقبور, فيما عرف بالحملة الإيمانية, فظهر أتباع للمذهب الوهابي المنحرف, وبعض طرق الصوفية والسلفية وغيرهم.
خلال كل المواجهات بين من يدعي " المقاومة" والتنظيمات المتطرفة من جهة, وبين الدولة العراقية من جهة أخرى, كان هناك دوما دور ما لمدينة الفلوجة.. وعند أيجاد حلول ترقيعية لتلك المواجهات والأزمات خلال الحكومات السابقة, كان يعطى وضع خاص لها, دون حل حقيقي.. لتبقى تلك المدينة, بؤرة لإثارة المشاكل, وتظل خارج حكم الدولة وقانونها من الناحية الواقعية.
في معركة الجمل التي خاضها أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب, عليه وعلى أله افضل الصلوات, وعندما حارب الناكثين والخارجين على الخلافة, ولأنه رجل خبير بأمور الحرب وقائد حقيقي من الطراز الأول, قال لأصحابه في تلك المعركة, ما مضمونه " عليكم بالجمل, فستفنى الناس إن بقي واقفا".
الأن وجزء مهم من أرض العراق, تحت سيطرة داعش ومن يماثلهم من التنظيمات المتطرفة, لازالت تلك المدينة تعتبر معقلا لهم ومكانا يحتفلون فيه بإنتصاراتهم, ويقتلون معارضيهم, ويعتبرونها حاضنتهم الأوثق. يجب أن تجد الدولة حلا لها, يجعلها تعود لحضن الدولة, وتحت حكمها وحكم القانون.. وإلا ستفنى الناس.
https://telegram.me/buratha