المقالات

"ستيورات جونز" الحاكم المدني الأميركي الجديد في العراق!

2002 17:56:11 2015-05-18

 

يتضح جلياً ان الجانب الأميركي في المعادلة العراقية هو المستفيد الأكبر من حالة الحرب التي يعيشها العراق، مقرونة بالأزمات الكثيرة التي تُرَحّل من حكومة سابقة الى أخرى، ومن مجلس نواب منتهي الى آخر يحلّ محله! وقد خبر العراقيون ازدواجية المعايير في الخطاب الأميركي على كافة المستويات الرسمية، ومن كل المسؤولين الأميركيين، حينما يتعلق الأمر بتعافي العراق من وباء الارهاب الذي يعصف به منذ سنوات، وسعيه لاسترداد دوره المفترض و"المغيّب" في المعادلة الإقليمية، وصون سيادته وبسط سيطرته على كامل أرض العراق.

لم ينته الاحتلال الأميركي ولا التدخلات السافرة في الشأن العراقي بخروج آخر جندي من القوات الأميركية أواخر 2011، خصوصاً وان جيشاً من "المستشارين العسكريين والأمنيين" مع الدبلوماسيين قد ضمنوا إقامة دائمية "لإدارة ورعاية المصالح الأميركية"! واللافت ان دور السفير الأميركي (بتعاقب السفراء) كان أبعد ما يكون عن ضوابط ميثاق فيينا لعام 1963المنظم للعلاقات الدبلوماسية بين الدول ذات السيادة، وأقرب ما يكون الى دور حاكم أميركي يحكم العراق كولاية أميركية رقمها (51)! وهذا ليس تحاملاً على دور السفير الأميركي بقدر ما هو حقيقة قائمة يمكن تلمسها جهاراً، ولا ينفيها ذات السفير الأميركي الحالي "ستيورات جونز"، الذي يصول ويجول في مفاصل الشأن العراقي كيفما شاء وأنّى شاء. ولا داعي للتذكير بأن هذه التدخلات قد جرّت للعراق والعراقيين (حتى الساعة) الويلات وزرعت الفتن، وعمّقت الانقسامات والشروخ، وقيّدت التنمية وأرهقت الاقتصاد، وكبّلت "صانع القرار العراقي"، وفرضت إملاءاتها العلنية والسرية، بحيث طالت حتى انتخاب الرئاسات الثلاث، وكرّست خطر التقسيم، والأنكى انها جعلت السيادة العراقية كعكة شهية يقطعها بسكّينه القاصي والداني، وكان آخر المتجاوزين رئيس وزراء هنغاريا!

من يطّلع على اللقاء الصحفي الأخير للسفير "ستيورات جونز" في مقر سفارته السبت 16 أيار 2015، يخرج بانطباع انه يمارس صلاحية "الحاكم المدني الأميركي" الجديد (بعد بول بريمر سيئ الصيت) بدون الإعلان الرسمي عن ذلك، فهو قد أعطى لنفسه الحق في التطرق لأغلب المواضيع الحساسة في الراهن العراق المأزوم والمشحون بالكثير من الصواعق، وكأن العراق بلا حكومة ومؤسسات سيادية وسياسية قادرة أن تدلي برأيها وتعلن إرادتها وقراراتها في الشأن العراقي بكافة تعقيداته وتشعباته. وهذا ليس مسلكاً شاذاً يمارسه السفير (أو الحاكم) جونز، بل هو استمرار لما أدمنه من تعامل مع الملف العراقي، ولما ورثه من أسلافه السفراء منذ الاحتلال الأميركي للعراق.

لقد مارس "الحاكم" جونز وبلا حرج كامل حريته في التأشير -مثلاً- على مدى حدود العلاقة التي ينبغي أن تربط العراق مع جارته الكبيرة إيران، وكيف ان أميركا ترى أن "لا بأس في شراء العراق لأسلحة من روسيا"..! وحول تمرير قانون تسليح الأكراد والعشائر السنية السيئ الصيت الذي أقره الكونغرس الأميركي مؤخراً، وأعتبره العراقيون تشريعاً صريحاً ومقدمة لتقسيم العراق، قال جونز: "نستغرب هذا القلق عند الإطراف العراقية من مشروع قانون الكونغرس، وردّ الفعل العام العراقي كان مبكراً"..!

نعم له الحق في الاستغراب، وهو يلمس افتئات أغلب قيادات الكتل السياسية و"القوى الوطنية" لخطب ودّه وانتظار تعليماته واستشارته في "الظروف الحرجة"، وضمان مباركته لأية خطوات يقدم عليها أولئك، ومنها مناشدتهم الأميركيين في تجاوز السيادة العراقية بأي ثمن تحت يافطة تحرير مناطقهم من داعش، وهذا ما كان (ويا لغرابة الصدف) حينما استضاف رئيس مجلس النواب سليم الجبوري "الحاكم" جونز في منزله في نفس اليوم، مع عدد من نواب كتلة الجبوري وإدارة ومجلس محافظة الأنبار (مع غياب ممثلين عن التيارات الرئيسية الأخرى، خصوصاً من لون طائفي معين)، وسماه الجبوري "اجتماعاً استثنائياً" لمناقشة التدهور الأمني الأخير في المحافظة! وكأن جونز هو المنقذ الذي يجب أن يهرع اليه الجبوري ومن يمثلهم ليضع لهم خطة الإنقاذ في المنعطفات المصيرية، بينما كانت الجهود الحثيثة من الأخير وتحالفه ونوابه والعشائر التي تتبعه تصب في مجملها باتجاه منع قوات الحشد الشعبي (تحديداً) من المشاركة في تحرير محافظة الأنبار من دنس الدواعش ونظائرهم بذرائع واهية تتغذى صراحة على الهاجس الطائفي، وها هو يستنجد مع من يمثلهم بالـ"حاكم" الأميركي بعد التدهور الأمني في الرمادي، ويتخذ منه مرجعاً أساسياً وكبيرهم الذي يلوذون به، عوضاً عن اللجوء الى "شركاء" الوطن، والى عموم الشعب العراقي الذي لم يتوانَ مقاتلوه ومضَحّوه من القوات العسكرية والأمنية وأبطال الحشد الشعبي في تلبية نداء الوطن والضمير في سوح مقارعة الارهاب، مسَدّدين دوماً بدعم وتعليمات المرجعية الدينية العليا. في الوقت الذي لم تقدّم أميركا و"الحاكم" جونز -حتى اللحظة- أية أدلة مقنعة تُبرّئ الولايات المتحدة من تواطئها في استفحال الارهاب التكفيري، ومن جريرة عرقلتها تسليم شحنات الأسلحة المبرمة صفقاتها مع الجانب العراقي والتي استلمت أثمانها سلفاً، في وقت كان العراق في أمسّ الحاجة اليها إبان الظروف الخطيرة التي رافقت سقوط الموصل وهدّدت بسقوط بغداد، في ظل عدم مبالاة أميركية مشبوهة، وما زالت هذه العرقلة مستمرة، ناهيك عن تملص الجانب الأميركي من تفعيل بنود الاتفاقية الأمنية المبرمة مع العراق عام 2008، رغم اعتراف العالم أجمع بأن العراق يحارب الارهاب التكفيري نيابة عنه، ويقدّم آلاف الشهداء، ويحرق مليارات الدولارات على الإنفاق العسكري الذي يلتهم ميزانية البلاد، ويحتضن مئات آلاف النازحين، ويتحمل ما يُثقل كاهل عدة دول مجتمعة..!

لا غرو ان تصريحات "الحاكم" جونز العلنية في أغلبها هي للاستهلاك الإعلامي، وأما خفايا دوره ونوايا الإدارة الأميركية فتبقى في غالب الأحيان حبيسة الردهات المغلقة و"الاجتماعات الاستثنائية" كما أطلق عليها سليم الجبوري نظير الاجتماع المنعقد في منزله (تمت الإشارة اليه)، ولم يرشح لحدّ الآن شيء من خطورة القرارات و"التعليمات" الأميركية التي ليست للنشر في هذا الظرف العصيب (والتي أسفر عنها ذلك الاجتماع)، اذ أثبتت التجارب ان ما يتفوه به جونز ورؤساؤه لا يفصح سوى عن الجزء الطافي من الحقيقة، أما الغاطس منها تحت مياه مستنقع المؤامرات فلا يبشر بالخير للعراق والعراقيين، وحُسن الظن هنا بأولئك هو قمة العجز عن فهم الحقائق كما هي، لا كما يريد "الحاكم المدني الأميركي" تصويرها لنا!

ان الردّ الحاسم على ذلك، واجتياز المنعطف الخطير لن يكون سوى برصّ الصفوف ومؤازرة جهود أبطال قواتنا المسلحة والحشد الشعبي الذي اثبتوا أنهم أهل للنخوة والشدائد، لا كما يتوهم سليم الجبوري وجماعته بأنه يكون في "الاجتماع الاستثنائي" مع ستيورات جونز.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك