دعوني أتحدث أولاً عن شعار (مقاومة.. قادتها شهداء)، من رؤية شعرية وفنية خالصة، رؤية شكلية جمالية لا يتدخل فيها المعنى ولا تعنيها الدلالات او الإيحاءات. فهذا الشعار المختصر بثلاث كلمات فقط، يختزل برأيي آلاف الكلمات، ويستعيض عن ذكر فقرات مطولة، كان يمكن أن تقال، كي يصل المتحدث الى ما يريده من معنى، أو ربما لن يصل اليه بنفس الدقة التي وصل اليها بهذا الشعار القصير.
ولعل أول شيء يبدر الى ذهنك وأنت تطالع هذا الشعار، هو إحساسك بأن (مؤلف) هذا الشعار رجلٌ ذكي جداً، ومقتدر أدبياً أيضاً، (وعارف) بأدواته، وعمله، وبما يريده !! وعدا (الشكل) الشاعري لهذا الشعار المختصر، فإن في معناه أمراً عظيماً لا يمكن عبوره دون أن نلتفت اليه. خاصة عندما يتطابق معنى الشعار مع معنى الحقيقة. لذا يتوجب علينا أن نعرف هوية الذي أطلق هذا الشعار، كي نعرف مصداقية معناه، ثم نقدِّر، بالشواهد والأرقام، مدى تطابق الشكل والمعنى. أو العكس.
لذلك رحت أفتش في دفاتر المقاومة وفي سجلاتها عن مطلق هذا الشعار، فوجدت أن أول من أطلقه سيد المقاومة حسن نصر الله، حيث ذكره في الكلمة التي القاها يوم السادس عشر من شباط عام 2002 في الاحتفال الحاشد الذي أقامه حزب الله في مقام السيد عباس ببلدة النبي شيت البقاعية بمناسبة ذكرى استشهاد القادة السيد عباس الموسوي أمين عام حزب الله والشيخ راغب حرب، فقال السيد نصر الله ساعتها: أن (مقاومة قادتها شهداء لن تهزم)!! ثم أعاد اطلاق ذات الشعار في تشييع الشهيد الحاج عماد مغنية بتاريخ 14 شباط من عام 2008.
بعد أن أكد على معناه مرتين. لقد استذكرت اليوم هذا الشعار، وأنا أتابع جهاد المقاومة الإسلامية في العراق مع جهاد المقاومة الإسلامية في لبنان واليمن وسوريا فأجده جهاداً وطنياً وعقائدياً وإنسانياً واحداً لا يختلف بتاتا. فالتصدي لمجرمي داعش ومقاتلة هذا التنظيم الإرهابي الخطير في العراق، لا تختلف عن مقاتلته، أو مقاتلة القاعدة في الشام، ولا تختلف عن مقاتلة الوهابية (التي أنتجت فكر القاعدة وداعش) في اليمن، أو مقاتلة الصهاينة في لبنان، مادام المضمون واحدا بين توجهات الصهاينة والوهابية وداعش وكل العملاء المحليين. ولعل الملاحظة الأهم في الموضوع، أن قادة المقاومة في لبنان واليمن وسوريا، وغير ذلك من أراضي المواجهة مع رموز الشر، يستشهدون في ساحات التصدي وقوفاً كالأشجار الباسقة، إذ لم يمت منهم أحد على فراشه في البيت، أو يقتل في عمليات تفجير قد تحدث هنا او هناك مصادفة، إنما مضى جميعهم لهدفه برغبته الجهادية، وخياره البطولي المحض.
وكذلك القادة من شهداء المقاومة الإسلامية العراقية في-عصائب أهل الحق- وبدر وكتائب حزب الله وسرايا السلام، وانصار العقيدة وغيرهم، فقد سلكوا جميعاً ذات الطريق الاستشهادي الذي سلكه أخوتهم من قادة المقاومة في لبنان، فباتوا اليوم أقماراً منيرة في سماء الحرية، وعلامات مجد باهرة في طريق الجهاد الوطني الذي لم ينقطع. لقد حمل هؤلاء الأبطال بنادقهم بفخر، وراحوا يطهرون مناطق جرف الصخر وبيجي وديالى وسامراء وتكريت والرمادي وعشرات المدن العراقية من دنس الدواعش الأوغاد.
وكان من بينهم القادة الأبطال مهدي الكناني ومكي الجمالي ونوري الحريشاوي، الذين استشهدوا في شمال سامراء قبل شهرين، فهؤلاء طبعاً لم يقتلوا في تفجير إرهابي تم بضواحي بغداد، ولا بعملية اغتيال خسيسة حصلت في شارع محمد القاسم، إنما استشهدوا وهم يقودون جيشاً من رجال الحشد الشعبي الأبطال في ساحة المواجهة مع القتلة بل كانوا- كما أظهرت الأفلام التي عرضتها قناة العهد الفضائية- في مقدمة المجاميع القتالية المتصدية للعدو. وقد تأكد حجم هؤلاء القادة، وتأثيرهم في الميدان الحربي من خلال تبادل التهاني، وإعلان مباهج الفرح في مواقع داعش الرسمية بعد أن نشر خبر استشهادهم.
ولم يكن مهدي الكناني والجمالي والحريشاوي وحدهم من قادة المقاومة الذين استشهدوا في ساحات المواجهة مع العدو، بل كان ايضاً الشهيد البطل المهندس علي حسن هادي العامري (أبو زهراء) الذي أستشهد قبل خمسين يوماً في معركة (الرمة). ولعل الشيء الذي يستحق الذكر هنا ان أبا زهراء أصيب برأسه في هذه المعركة، ونقل على أثرها الى الطبابة للتداوي، لكنه ما أن (ضمَّد رأسه) حتى عاد مسرعاً ليكمل مشواره الجهادي في تصديه لداعش، ويستشهد في نفس اليوم، وقد ظهر ذلك واضحاً في أحد الفيديوهات التي بثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يبدو أبو زهراء فيها معصوب الرأس بضمادات الطبابة البيض.
والمفرح المبكي أن الأنباء نقلت لنا أمس نبأ استشهاد شقيق أبي زهراء ايضاً، وهو المجاهد المجرب، والقائد المغوار أبو موسى العامري، الملقب بـ (فخر العصائب). وقد أستشهد أبو موسى في معركة تحرير (الرمة) أيضاً، بينما لم يزل شقيقهما الثالث (أبو عباس) يقاتل الدواعش حتى هذه اللحظة بإصرار
https://telegram.me/buratha