عالم السياسة اليوم , بات محكوماً بسلطة الأقوى , تكنولوجياً وإقتصادياً وعسكرياً, وإنعتقتْ يد السياسة لدى الأقوى , من أبسط مفاهيمها العامة لتتحوّل الى غولٍ مهولٍ أشبه بثقب أسود يبتلع كل شيء يدنو منه . فبالأمس أصدر مجلس الأمن قراراً بشأن الأزمة اليمنية , تضمّن إزدواجية فاضحة , تدين الضحية وتناصر الجلاد . وبالتأكيد لا غرابة في ميل مجلس الأمن الدائم للجلاد على حساب الضحية , طالما أنّ هذه المؤسسة الدولية ذات العنوان الكبير والمُفرّغ من محتواه , هي بيدقُ شطرنجٍ تتحكّم في نقله , الإدارة الأمريكية وفقا لمصالحها القومية حتى لو تطلّب تحققها , تدمير كل شعوب العالم . فالجلاّد المباشر في القضية اليمنية هي السعودية عدوة الشعوب , والضحية , هو الشعب اليمني الذي يعيش أزمة معقدة , نتيجة لصراع الإرادات السياسية الموجودة على الساحة اليمنية ,
لكن هذه الأزمة ووفق أبسط المعايير , هي شأنٌ داخلي مختصٌ بالشعب اليمني , فهو الذي مَنْ يملك حقَّ تقرير مصيره وبما ينسجم مع مصالح جميع فئات شعبه .. لكن تدخل السعودية ومَنْ يؤازرها في عدوانها على اليمن , هو الذي خلط الأوراق فإتخذ له مساراً طائفياً ووحشيا , فضلاً عن كونه تدخلاً صارخاً في سيادة دولة من حق شعبها ان يختار ممثليه بنفسه دون فرض وصاية من أحد . ومن مفارقات قرار مجلس الأمن الأخير الخاص بالشأن اليمني , والذي يتضح فيه الكيل بعشرين مكيال , أنه تجاهل تماماً إستمرار العدوان السعودي الذي طال بطيرانه الإجرامي , المدنيين العزّل من كل الأعمار وتدمير البنية التحتية للمؤسسات الحكومية والمدنية البعيدة عن الأهداف العسكرية بحيث بلغتْ أعداد القتلى والجرحى , أرقاماً مرعبة .. كل ذلك تجاهله قرار مجلس الأمن والقائمون على إصداره , في حين يتضمن القرار بنوداً وتوصيات , هي من الإزدواجية والزيف , ما يدعو الى البكاء قبل الضحك . فالقرار يعرب عن جزعه الشديد بخصوص التدهور الشديد والخطير للحالة الإنسانية في اليمن !!! وبذات الدرجة من الشعور بالجزع يتخوف القرار من التصعيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون !! كما أنه يوصي الحوثيين بالكف عن إستخدام العنف ..!! بينما كان الأجدر به أن يدعو الجانب السعودي بالكف عن إستخدام العنف والذي بلغ حدوداً غير معقولة , بل هي تندرج ضمن قائمة حروب الإبادة الجماعية ..
لو كانت هناك نوايا جدية لدى الإدارة الأمريكية والسعودية لوضع نهاية لهذه الحرب المدمرة , لشرعتْ بالقبول بالعديد من المبادرات الجدية التي طُرحت , لكن وحشية آل سعود وطائفيتهم وعنجيهيتهم , تحجب عنهم الرؤية الإنسانية فلا يجيدون ولا يستمتعون , إلاّ برؤية سفك الدم .. ولعل واحدة من هذه المبادرات , هي المبادرة الإيرانية التي طُرِحتْ عقب صدور قرار مجلس الأمن بساعات , والتي تضمنتْ خطة من أربعة بنود ، هي الوقف الفوري لإطلاق النار ؛ وإرسال المساعدات الإنسانية وإيصالها لمحتاجيها؛ وإطلاق حوار تشارك فيه كل الأطراف اليمنية؛ وايضا تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع القوى السياسة في البلاد...
ولكن .. تبقى السعودية وبتحريض من أمريكا ,كما هو ديدنها الشاذ , رافضة لكل المقترحات والمبادرات التي لا تنسجم مع توجهها الطائفي والعدواني , دون أن تلتفتْ الى ما سيتمخض عنه هذا الإستمرار بالعدوان من ضرر , سيطال الأوضاع الداخلية السعودية المهزوزة أصلاً والتي تعاني من إشتداد فجوة الخلاف العائلي على السلطة , وقد يطيح في النهاية بهذه المملكة , مملكة الشر والعدوان .
https://telegram.me/buratha