مُنذُ عُقود والحَرب الإيرانية - العربية قائِمة، ومِن لحظة الشرارة الأولى لها وهي تستعر لهيباً، رغم كونها حرب باردة إذا ما استثنينا منها حرب الخليج الأولى، التي أججها متهوراً صدام حسين مدفوعاً من الغرب والعرب، وهذه تختلف حساباتها لما يتعلق بها من تنحية الشاه المدعوم من قبل بريطانيا، وتغيير في طريقة الحكم الإيراني وقيام الجمهورية الإسلامية، أي إن عموم الفترات قبل وبعد حرب الخليج الأولى لَم تشهد صراع عسكري مُعلن.. بين العرب وإيران، وهو ما لَم يرتقِ لمستوى أكبر من كونه حربٌ بارِدة، على مستويات التسليح وتطوير الجيوش والتصريحات الضمنية المتبادلة.
مراحل تطور الخلاف بين وجهات نظر الجمهورية الإسلامية والدول العربية، مرَّ بتعقيدات ومنعطفات كثيرة، ولأجل تصدير الخطاب لشعوب كلا الطرفين كانت الأزمات المفتعلة صاحبة الحظ في الطرح والتسويق، رغم إنها اختلافات غير مصيرية وقابلة للتسوير والحل، إلا إن القلق مِن معرفة أصل النوايا منع الدول العربية من كشف الأسباب الحقيقية للصراع.
تغذية الشعوب العربية و بغزارة بفكرة "البعبع" الإيراني القادم، جعل من تخوف تلك الشعوب ما يشابه تخوفها مِن إسرائيل! هذا التوجيه الذي تناسى كل التطمينات التي بعثتها قيادة الثورة الإسلامية كان مقصوداً، للدور الصاعد الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية في تبنيها مقاومة إسرائيل والغرب.
للوقوف على هذه النقطة نراجع تلك العلاقة المتينة بين العرب وإيران أبان حكم الشاه بهلوي، حيث كان الراعي للحكمين العربي والشاهنشاهي واحد، فتميزت العلاقة بالإيجابية وإنْ كان يشوبها بعض التعكير، لكن في مجملها كان الصمت العربي منتصراً على التخوف والقلق من الطمع الفارسي! بل إن تسويق فكرة الطمع الفارسي بالخليج العربي، وما رادفه من تسميات مثل الهلال الشيعي وغيرها ظهرت بوقت تَنَكَرَ فيه القائمين على حكم إيران للقومية، على حساب إسلامية إيران وأهدافها في الارتقاء بالعالم الإسلامي.
مما ذكرنا أنفا نعتقد بأن الفجوة بين (إيران والعرب) أكبر مِن ربطها بالجزر الثلاث أو خالد الإسلامبولي الذي قتل السادات فسمت الجمهورية الإسلامية شارعاً باسمه، إنها.. مشكلة خلاف عقائدي أن استطعنا غلق أذاننا فلا نسمع به، لا يمكن أن نغلق عيوننا ولا نراه! وهكذا تجري الأمور في موضوعة التقارب العربي_ الغربي والتباعد الإيراني_ الغربي، وما لهذين التناقضين من علاقة في أمن إسرائيل و وهنائها، معروفٌ جداً إن أمن الصهاينة من إنهاء وجود الجمهورية الإسلامية فما بالكم.. بعد أن استطاعت إيران تطوير برنامجها النووي؟!
الحقيقة.. أن ما يحصل في العراق وسوريا واليمن ولبنان له كل العلاقة بانتهاء الحرب الباردة، بين طرفي الصراع القديم. بدأ يذوب جليد تلك الحرب فيظهر وجهها بصورة أوضح وأدق، صورةٌ تُعيدنا إلى الوراء لتقييم المواقف المعادية للثورة الإسلامية على حساب استقرار الكيان الغاصب.
تحشيد السعودية الأخير ضد اليمن رفع مِن سقف التوقعات بإظهار الحلقة الأخيرة.. مِن مسلسل الحرب البارِدة، فالجمهورية التي اعتبرت في وقت سابق إن أي تدخل خارجي في شؤون تلك الدول أمرٌ مرفوض، لن تصمت إزاء التدخل السعودي السافر في شؤون اليمن، والسؤال الآن هو.. ماذا سيحدث بعد انتهاء الحرب الباردة؟
https://telegram.me/buratha