إدارة الدولة, فن يحتاج لمهارة وخبرة, وإخلاص حقيقي, كما يحتاج لقوة وشجاعة, وكلها إن لم تكن موجودة, كموهبة ذاتية, فيمكن إكتساب بعضها في الأقل بالتدريب والممارسة, إن إمتلكنا المؤهلات الشخصية لها. هذه الصفات, لا يجب أن ترتبط بقائد, رغم أهمية ذلك, لكنها يجب أن تتوفر ولو بحدها الأدنى في مجموعة من القادة, المتصدين للشأن العام, وإدارة الدولة, وتصريف شؤونها, ورسم سياساتها.
تبقى تجارب الأمم السابقة, وما مرت به من أحداث, نماذج يمكن أن نستلهم منها العبر والدروس, ونتعلم من الأخطاء, دون أن نقع فيها, أو نستفيد من الخطوات, والأفكار السليمة, التي تصب في مصلحة الأمة, إن امتلكنا الحكمة اللازمة. رغم توافقنا جميعا, على أن أفعال الرسول الكريم, عليه وعلى أله أفضل الصلوات, وما تركه من حديث صحيح, هو نتاج توجيه وتسديد رباني, لكن هذا لا يمنعنا من مناقشته, بعض تلك القضايا, ودراستها وما يتعلق بها, للإستفادة من عبرها, وما فيها من أفكار وأهداف.
من الثابت تاريخيا, أنه عليه وأله أفضل الصلوات وأتم التسليم, عقد صلحا مع " المشركين", فيما عرف بصلح الحديبية, وبشروط يبدوا ظاهرها مذلا, وفيه الكثير من التنازلات, أو كما يسميها مراهقي ساستنا هذه الأيام" إنبطاحا", فهل هو كذلك فعلا؟! ماذا نقول عن ما رافق الصلح من ملابسات, كإزالة صفة الرسالة عنه صلوات ربي عليه واله, أو كيفية تعامل وفد المشركين المفاوض معه؟ وهل هناك من حاجة للشرح والتبرير, مع كل ما قدمته, كتب السيرة النبوية الشريفة, وما حصل من نصر باهر للإسلام وفتوحات؟! ألا تكفي وتزيد؟!
خلال هذين اليومين, حصل تحرك واسع المدى, للإنفتاح والتواصل, مع دول الجوار, وكلنا يعلم نظرتها السلبية, بل والعدائية أحيانا, للتجربة العراقية, وما يتواتر من دعمها الواضح, لمن يعارض ويقاتل, الدولة الجديدة, فهل هذا التحرك فيه مصلحة؟ أم هو "انبطاح"؟
يكذب على نفسه, من يظن أنه يستطيع, منع تدخل الدول الأخرى بشؤونه تماما.. فالدنيا صارت قرية, والكل يتأثر ويؤثر بالكل.. يمكن تقليل هذا التأثير, وتقنينه, تحت مسمى المصالح المشتركة, أما منعه تماما, فهو وهم.
لنسال هل يمكننا محاربة جميع جيراننا؟ أو يمكننا قبول بقاء وضعنا على ما هو عليه, من تراجع وتردي؟ وهل قدمت لنا سياسة التصعيد, واستعداء الخصوم والشركاء, على حد سواء فائدة تذكر؟ وهل نجحنا في إزالة "فقاعة" واحدة مثلا؟. الحرب خاسر فيها حتى المنتصر, فهو أنتصر بثمن, أيسره الدماء والأموال, ناهيك عن الخراب وإستنزاف الثروات.. فهلا جربنا طريقا أخر؟ أفلا نتفاوض مع الداعم والممول, وصاحب الأجندة الأصلي؟ وهل هذا يعني أن لا نعمل على بناء قدراتنا, عسكريا وأمنيا؟ وما المانع من العمل بالمسارين معا؟!
كلام العواطف والحماسة الفارغة, للإستهلاك الإعلامي, والحملات الانتخابية, لخداع عواطف السذج والبسطاء, لكن بناء دولة المؤسسات.. دولة عصرية وعادلة, يحتاج لواقعية, تصارح الناس بالحقائق.
https://telegram.me/buratha