للحقيقة الناصعة أقول، وعذراً من ذلك، لقد أسقطنا بدمائنا تاريخ السلاطين، فلا تاريخ بعد اليوم يكتبه (أبوهريرة) وأشباهه. وسيرى الذين يكتب لهم الله طول العمر بأم أعينهم، أن للتاريخ الجديد لساناً حاداً وطويلاً لن يوقفه متسلط، ولا يمنعه مانع، أو يسكته عن قول الحق ظالم مهما كان هذا الظالم قوياً. ففي حضرة التاريخ، وأمام شهود الحق، لن يكتب الطغاة فصلاً واحداً حسب هواهم ومزاجهم، فيصبح (المأبون)، المطرود من الجيش لأسباب أخلاقية، واحداً من فرسان العروبة، وبطلاً للحرية، لسبب بسيط: أنه خال الطاغية!!
ولا يصبح الطاغية نفسه (وهو المأبون أيضاً) فارس الأمة وقائدها. لأننا سنكتب التاريخ بضمير حي، وسينال كل إمرئ فيه حقه كاملاً، فلا يصبح اللص شريفاً، ولا القاتل بريئاً، ولا يتحول المهزوم الى بطل، والبطل الى جبان، فالدم في كل الأحوال هو الدم، والسيف هو السيف، والبطل نفس البطل، وعلي بن أبي طالب هو علي بن ابي طالب نفسه، وعمرو بن العاص هو ابن العاص ذاته، رغم أن تاريخ الطغاة قد سعى بكل ما يملك كي يبدل المواقع، ويغير في الأدوار بين الميدانين المتقابلين، وبين الرجلين المختلفين في كل شيء أيضاً، لكن الأرنب يظل أرنباً، والأسد أسداً رغم الظروف. وقصيدة الشرف التي كتبت بدماء أولادنا من أبطال الجيش العراقي الباسل، وعطرت بأنفاس شهدائنا من رجال وقادة الحشد الشعبي الميامين، لن يحذف منها بيت واحد قط، لأننا لن نسمح بعد اليوم لأحد أن يكتب تاريخنا القادم!!
وعلى ضوء ذلك أقول، أن مواقف أبناء الجبور مثلاً، والبو نمر، والخزرج، والبو جواري، والجغايفة، والعشائر الأخرى الوطنية، التي وقفت مواقف بطولية شجاعة في دعم أخوتهم أبطال القوات المسلحة العراقية، وكتائب الحشد الشعبي في المناطق الغربية، لتستحق التقدير والإعجاب من الجميع، وسيكون لها ذكر حسن وجميل في أولى صفحات التاريخ الجديد الذي سيكتبه الأحرار، وقطعاً فإن كفة هذه العشائر العربية الشريفة التي ضحت بأبنائها من أجل العراق، وتصدت بخيرة شبابها لأوغاد داعش، حتى سال دمها السني مع توأمه الدم الشيعي لا يمكن أن تكون بمستوى الكفة، ولا في ذات الميزان الذي عليه اليوم عشائر البو عجيل واللهيبات والناصر، والبيجات، وباقي العشائر الطائفية، التي خانت نعمة الفرات، وخبزة العراق، وشراكة الدم، والدين، والوطن.. فساندت داعش، ورفعت رايته الكافرة، بل أن بعضها للأسف كان سباقاً لحمل السلاح ومقاتلة الجيش العراقي، وما مذبحة سبايكر التي لعبت فيها هذه العشائر دوراً قذراً، وسافلاً، إلاَ الدليل القاطع على سقوطها في وحل الخسَّة، فاستحقت بذلك اللعنة التاريخية التي لن ننساها أبداً.
ختاماً أقول: إن انتصارات الجيش والشرطة العراقية، وصولات الميامين من أبطال الحشد الشعبي التي أرعبت الداعشيين، ودفعت بقادة هذه (الدولة) الإرهابية الى الهروب، قد زرعت الخوف في صدور العشائر الخسيسة التي وقفت مع داعش، وساندتها بالرجال والسلاح، فكانت النتيجة إن راح رؤساء هذه العشائر اللاوطنية يتبرأون من علاقتهم بداعش ويتساقطون مذعورين واحداً بعد الآخر بل ان بعضهم طلب السماح له بالمشاركة في القتال الى جانب الحشد الشعبي، عندما وجد أن (الحديدة حامية كلش)، وإن الموت قد دنا من تارك الصلاة كما يقولون .وهنا يجب أن نعرف ان كل هذا كذب في كذب، فلا هم سيقاتلون مع رجال الحشد الشعبي، ولا هم سيتبرأون من علاقتهم بداعش..
لذلك أتمنى أن يتنبه المسؤولون لهذا الأمر، فالمصالحة على رأسي كما يقال، والشراكة على رأس عشيرتي ايضاً، إنما دم ضحايا سبايكر الأبرياء فلا يقبل القسمة على غير الدم.. وإن عشائر البو عجيل، والبو ناصر، والبيجات، مطلوبة لنا بالدم، ولا أظن أن أحداً من سياسيينا، أو شيوخنا – مهما كان حجمه ووزنه - يجرؤ بالوقوف في وجه الحاج هادي العامري، أو الشيخ قيس الخزعلي، فيمنعهما عن أخذ ثارات أبنائنا الذين راحوا ظلماً وغدراً في تلك القاعدة المشؤومة.. أمس التقيت بالصدفة مع أم لفتى أستشهد في سبايكر، بعمر لم يتجاوز السابعة عشر، وأقسم بكل مقدساتي أني لم أنم ليلة أمس لأكثر من ساعة واحدة، فقد كانت صورة ذلك الفتى الجميل، ودموع أمه المفجوعة، (ونواعيها الجنوبية التي تهِّد الحيل) كافية لأن تحرمني النوم، وتجعلني أطالب بصوت عال أبطال الحشد الشعبي،
وأقول لهم : لا ترحموا من لم يرحم أبناءكم، ولا توفروا دم من لم يوفر دم أخوتكم، واقتلوا القاتل – وليس غيره – أنى كان، ومهما كان، وإلاَّ فلن تقوم لكم قائمة بعد اليوم. إنه القصاص العادل والحق. وبما إننا على مرمى حجر من الوصول الى النصر النهائي، فإني واثق بأن قلب الأم التي فطرت قلبي أمس سيسعد كثيراً حين ترى بعينيها القتلة وهم ينحرون على ذات الضفة التي نحر فيها ولدها..
https://telegram.me/buratha