المقدمة
=========
هنالك اعتقاد سائد على المستوى العسكري والسياسي يتمثل بضرورة الاسراع بالتهيئة لمعركة الموصل باعتبار انها مركز مايسمى بالخلافة الداعشية , وبالتالي فان تحريرها يعني دحر الارهاب في معقله الرئيس , ويظن مؤيدوا هذا الرأي ان تحرير الموصل هو بمثابة قطع رأس الافعى في معقلها السياسي والعسكري .
ان مثل هذا الاعتقاد يعد خطئاً جسيماً يجب التنبه له والابتعاد عنه تماماً لسببين جوهريين, سبب فكري واخر عسكري , وهما في واقع الحال لاينفصلان , بل ان احدهما يؤدي الى الاخر .
======================
الاسباب الموجبة لاهمية تأجيل معركة الموصل
=======================
ورغم ان مقالنا هذا يختص بالجانب العسكري و الامني الصرف , الا اننا سنبين (باختصار ) السبب الفكري بالقدر الذي يسلط الضوء على طبيعة الحل العسكري الواجب اتباعه في معركتنا ضد الارهاب.
================
الاول : عقيدة التكفير
==================
ان اساس الارهاب المتلفع بالعقائد (بالاخص الدينية منها ) يعتمد على سلاح الافكار التي تجد دوماً ارضيات لها في المجتمعات القلقة ولاسيما في مراحلها الانتقالية , ويجد جاذبية سادية تؤدي الى تلويث صواب من تزرع في عقله, ويدعم هذه العقائد ويرسخها فكر سلفي تكفيري موجود في بطون كتب التراث الاسلامي , مما يسهل في اماتة ضميرالمنتمي للفكر, ويجعله يبقر بطون النساء ويتوضأ للصلاة , وينتج عن خلله الفكري جمود العقل والايعاز الى البواطن الوحشية في النفس البشرية ,ليحمل بها الارهابي العبوة الناسفة والسلاح , بل وينتحر بالحزام الناسف وهو فرح بلقاء الرسول الكريم !!!!.
وتؤدي هذه الانحرافات الفكرية بمايشبه تصورات المجنون بانه اعقل انسان في الوجود , حيث تحكم التنظيمات الارهابية على المجتمعات بالكفر بكل اشكالها , فتصبح الحكومة والشعب بكل قومياته واديانه ومذاهبه الدينية والفكرية كلها كافرة . وهذا المنهج التكفيري برغم خطره الا انه يحمل في داخله بذرة فناءه, لان تكفير الجميع يؤدي حتما الى توحد الجميع ضده , فالحكومات المتعاقبة على العراقيين بكل احزابها السياسية , فرقت العراقيين ومزقتهم , الا ان الفكر الارهابي الذي استهدف الجميع كان السبب الرئيسي الذي جعل العراقيين يلتفون حول حكوماتهم ويتحملون اخطائها الجسيمة وضعف ادائها السياسي والخدمي ولايثورون عليها , لان البديل الذي سيتلقف اي تمرد شعبي هي القاعدة او داعش . وادى المنهج التكفيري ,فيما ادى , الى لجوء التنظيمات التكفيرية الى العمل بالخفاء بسرية شديدة عن المجتمع (الكافر)تصل الى اعلى مراحلها في الخلايا النائمة.
===================================
الثاني : فشل التكتيكات الكلاسيكية في مواجهة الارهاب
==================================
داعش له في العراق خمسة اشكال هي : 1 - جيوب عسكرية : تكون علنية منتشرة في الكثير من مناطق التوتر , كالانبار وصلاح الدين والفلوجة ومحيط بغداد وكركوك وديالى وغيرها . 2- خلايا تخريبية : طبيعتها سرية في داخل العاصمة واغلب المحافظات العراقية سواء المتوترة منها او الامنة . 3 - الخلايا النائمة : وهي خطرة جدا ولم يوقضها التنظيم الى الان , واماكن تواجدها في المحافظات الامنة نسبياً كبغداد العاصمة والمحافظات الجنوبية . 4 - الجواسيس : وهم جيش سري من العملاء , وكذلك بعض الواجهات السياسية , وكلاهما ذوا دوافع مادية , ويتواجدون في كل المناطق الامنة وغير الامنة . 5- الشكل المؤسساتي: يتمثل بدولة الخلافة المعلنة , ومقره الموصل في اغلب اجزائها .
ان هذا التطور لاشكال التنظيم يتطلب من الاستراتيجيين العسكريين العراقيين مواكبته خارج الطرق الكلاسيكية الخاصة بالحروب بين الدول ,فالحرب على الارهاب تختلف جذرياً عن تكتيكات المعارك بين الدول او في الثورات على الانظمة. ففي الثورات ضد الانظمة, ماإن يسقط الحاكم او يقتل , يتبخر حزبه وفكره وتشل اذرعه العسكرية والامنية , وكذا في المعارك العسكرية بين الدول , فان دخول القوات المعادية الى عاصمة العدو تؤدي الى سقوط الحكومة والحاكم وحزبه وافكاره وشلل جيشه واستسلامهم , ولكن الامر مع التنظيمات الارهابية مختلف جدا بل يكاد يكون معاكساً تماماً, والامثلة كثيرة , ففي الثورات ضد الانظمة الدكتاتورية كان سقوط العاصمة كافيا لتبخر الحزب الحاكم وافكاره كما في الثورة البلشفية والثورة الايرانية, وكذا الامر في الانقلابات العسكرية فبإحتلال قصر الحكومة والاذاعة واذاعة بيان رقم (1), تسقط حكومات كما في حركة 14 تموز او انقلابي 8 شباط و17 تموز في العراق ,وفي المعارك بين الدول , يكفي ان نذكر مثال سقوط الحكم النازي الالماني, فبرغم مئات الوف الجنود وعشرات الوف الدبابات والمدرعات للجيش النازي , لكن دخول جيوش الحلفاء للعاصمة برلين انهى هتلر والفكر النازي ونظامه وادى الى شلل جيوشه الجرارة واستسلامهم على بعد الاف الاميال عن العاصمة .
ففي كل الامثلة الوارد ذكرها من ثورات او حركات او انقلابات او معارك عسكرية , كان القضاء على رأس النظام ودخول عاصمة العدو ,هو الاندحار الحقيقي للنظام وكل جيوبه وافكاره , بل ان قتل الزعيم كان كافيا للانهيار , الا ان الامر يختلف تماما في قتال التنظيمات المتطرفة وفي مقتل قادتها, وليس ادل على ذلك من الهجوم الامريكي على معقل طالبان والقاعدة واسقاط كابول , فبرغم الانتصار العسكري لم ينته تنظيم القاعدة ,بل انه تمدد في الباكستان والشرق الاوسط والعراق و الجزيرة العربية و شمال افريفيا و اوربا ,رغم مرور 13 عام على سقوط مركز الارهاب كابول , وبرغم مقتل بن لادن , وكذا لم ينته خطر القاعدة بمقتل الزرقاوي وابو عمر البغدادي في العراق.
ان كل من الاشكال الاربع الاولى من الخمس من واجهات داعش التي اوردناها تعتبر في المعادلة العسكرية اذرعاً للعدو, لذا لايمكن التحرك العسكري لمعركة الموصل مالم تقطع تلك الاذرع اولاً , أما تفكير مؤسستنا العسكرية والسياسية , من ان معركة الموصل واسقاط دولة الخلافة هي نهاية المطاف ,فهذا خطأ جسيم نتمنى تجنبه بسرعة.
ان اولى الخطوات العسكرية اللازم التركيز عليها هي القضاء على الجيوب العسكرية الخطيرة لداعش في محيطي بغداد الشمالي والجنوبي وفي الفلوجة التي تبعد 60 كم عن بغداد فقط , وكذا في ديالى وصلاح الدين ومحيط كركوك والانبار , وبالنسبة للانبار , لابد ان تعطى اولوية خاصة جداً في الجهد العسكري .
================
الخطر الجغرافي للانبار
=================
تعد رقعة الانبار الجغرافية خطيرة للغاية , فللانبار ,خارجياً , انفتاح مع ثلاثة دول هي الاردن وسوريا والسعودية ,وداخلياً لها حدود مع ستة محافظات عراقية هي العاصمة بغداد ونينوى وصلاح الدين وكربلاء وبابل والنجف الاشرف من جهة الصحراء , اي ان للانبار ثلاثة مدخلات للارهاب ولها ستة مخرجات له , وقد تصبح المدخلات مخرجات والمخرجات مدخلات , وهنا مكمن الخطورة.
ان سيطرة الارهاب على مواقع الانبار الاستراتيجية الخارجية والداخلية التسع , ستتيح لداعش مجالا واسعا في الامدادات والهجوم والمناورة , ومن هنا فان تحرير الانبار هو الحبل الاخطر الذي سيخنق داعش عسكريا.
=====================
الحل العسكري والاستخباري
================
ان علينا ان نناور في تكتيكاتنا العسكرية لخدمة اهدافنا الاستراتيجية , فتكون لنا خطوات في التطهير العسكري والاستخباري , فعلى الجهد الاستخباري عبء كبير في كشف الخلايا التخريبية وتلك النائمة والعملاء والجواسيس وكشف الواجهات السياسية وتجفيف الدعم المالي واللوجستي والفني لداعش في كل المحافظات العراقية , وخصوصاً الامنة منها , ويكون هذا العمل الامني الاستخباري الضخم بالتوازي مع حملات تطهير عسكرية بطريقة قضم الارض في محيط بغداد وثم الانقضاض على الفلوجة الخارجة عن سيطرة الدولة قبل عام من سقوط الموصل , وكذلك الامر في ديالى ومحيط كركوك وفي صلاح الدين , بالاضافة الى معركة حاسمة لطرد الارهابيين من كامل تراب الانبار وصولا الى الحدود مع سوريا والاردن والسعودية وغلقها , وتأمين مداخل الانبار مع المحافظات الست المتاخمة لها , وحينها فقط ستكون للجيش العراقي حدود واضحة مع الارهابيين هي حدود الموصل التي سيهرب اليها حتما ارهابيو الجيوب بانواعهم الاربعة , وبذا يكون حصار الموصل بالتعاون مع قوات البيشمركة واضحا ومحدوداً وظهر الجيش العراقي وخطوط امداده مؤمنة , مما يتيح تحقيق انتصار حاسم طويل الامد ضد داعش يقصم ظهرها في العراق .
اما ان تكون الفلوجة ساقطة وصلاح الدين مضطربة والارهابيون يهددون قاعدة الاسد , والخلايا التخريبية والجواسيس والواجهات والخلايا النائمة يسرحون ويمرحون , ونقوم بالتقدم للهجوم على الموصل , فان الامر يصبح انتحاراً عسكريا يهدد كامل قواتنا وخطوط امدادها , وسيجعل داعش ك(كورة زنابير) ,تفتح كل الجبهات لمشاغلة قواتنا , ونحن نعلم ان خلية ارهابية سرية واحدة في العاصمة عام 2010 هدمت وزارات ومواقع حساسة وجزرت الاف الشهداء المدنيين , ,وقد يضطرنا الامر بالنهاية الى الانسحاب مرة اخرى من حدود الموصل لاسامح الله , اذ ان علينا ان نؤمن ان داعش لاتنتهي بسقوط عاصمة خلافتها المزعومة ولكن بالقضاء على كل اشكالها الخمس واخرها الموصل ,فاذرع داعش تعمل كما تعمل الثقوب في القدر , فمهما سكبت فيه لن يمتلي ء , مالم تعالج الثقوب .
قد يرى البعض ان مثل هكذا تخطيط استراتيجي مقترح ظالم بحق اهالي الموصل المحتلة , وجوابنا هو ان الاستراتيجية العسكرية للجيوش الوطنية , هي علوم تبدو في ظاهرها جامدة لاترحم وغير اخلاقية , لكنها في منظورها العام تحدد التكتيك للهدف باقل الخسائر ومن هنا اخلاقيتها , ففي الاستراتيجية تحديد لنسبة الشهداء وهذا عمل غير اخلاقي في ظاهره , لكنها تعمل بمنظور اخلاقي غير طوباوي بل منظور واقعي يعتمد على فكرة تحقيق الهدف باقل الخسائر . ولايفوتنا ان ننوه بضرورة التركيز على الهوية الوطنية لتقوية جبهتنا الداخلية اذا ما اردنا النصر الحاسم ضد من يكفروننا جميعا,فنحن بمنعطف تاريخي خطير نحتاج فيه لكل مساعدة ممكنة دونما تخوين .
اما ان نتقسم على اساس الجهة التي تقدم العون بكل اشكاله فهذه جريمة , فلايجب ان نقع في فخ ان دعم ايران للحكومة وللجهد الشعبي يعني اننا نتبع الفرس المجوس وبعنا العراق للعجم ولولاية الفقيه!!! , او ان تعاون الحكومة مع التحالف الدولي يجعلها حكومة باعتنا للصهاينة والامريكان فهذا اسفاف لايخضع لمنطق من يواجه مخاطر لاتبقي ولاتذر.
https://telegram.me/buratha