لم نتحدث يوماً بلغة (السنة والشيعة)، بل كنا نعيب على من يتحدث بهذه اللغة المقيتة، ولم نكن يوماً نعرف أو نسأل عن الطائفة التي ينتمي اليها هذا اللاعب او الفنان، ولا ذاك الجار أو الصديق. وعلى الرغم من إني كنت لاعباً في فريق نادي الزوراء (من قبل أن يتسمى باسم الزوراء) أي منذ أن كنت صبياً صغيراً، وكان معي في ذلك الفريق الجميل حشد من اللاعبين الرائعين، فإني لم أكن أعرف مثلاً أن زميليَّ أنور جسام، وشقيقه حازم جسام (سنّيان)، إنما كنت اعرف أن لأنور جسام ميولاً قومية فحسب. وإذا كنا مثلاً نعرف أن حارس مرمى فريقنا جلال عبد الرحمن كان كردياً، بسبب اللكنة الواضحة في لسانه، فإننا قطعاً لم نكن نعرف طائفته، وهل هو شيعي، أم سني؟! وللمفارقة فإني التقيت مصادفة قبل سنة بزميلي وصديقي القديم جلال عبد الرحمن في مطار بغداد، وجلسنا لأكثر من ساعة نتحدث بأحاديث شتى، ومن خلال هذه الأحاديث فقط فهمت أن جلال عبد الرحمن (سني)!! وربما كنا قد تحدثنا بمثل هذه الأحاديث من قبل ألف مرة، لكننا لم نكن نتنبه من قبل الى الطائفة أو المذهب !!
لقد كان فريقنا -الزوراء- خلطة وطنية باهرة، فيها المسيحي-مدربنا رحمه الله كان مسيحياً- وفيها المسلم السني والشيعي والعربي والكردي. وفيها شباب رائعون من مناطق (الثورة) والجعيفر والديوانية والحلة، والعمارة والوشاش والأعظمية والدوريين والشعلة واربيل والمربعة، وكل المناطق والمدن العراقية الطاهرة. لقد كان الزوراء مزيجاً وحدوياً حقيقياً.
ولم يتغير حتى بعد مغادرتنا له، ومجيء أجيال جديدة لاحقة تعاقبت على ارتداء فانيلته المحبوبة. والأروع.. أن جمهوره المخلص كان ولم يزل مثالياً في انتمائه الزورائي، وفي انتمائه الوطني. فالمسيحي والمسلم والصابئي، العربي والكردي والتركماني، كلهم يقفون في الملعب تحت لافتة واحدة، لافتة نادي الزوراء العراقي.
ولعل من المهم ذكره هنا، ان نادي الزوراء كان قلعة من قلاع النضال الوطني، والصداع الموجع لرأس النظام البعثي. فقد كان هذا النادي واجهة من الواجهات الوطنية التقدمية الشعبية، واللافتة المعارضة الأبرز في الحقل الرياضي للسلطة البعثية الدكتاتورية، حتى أن عدداً من لاعبيه الوطنيين حكم عليهم بالإعدام في قضية اللاعب الدولي الشهيد بشار رشيد، ثم خفض الحكم بعدها الى السجن المؤبد ليقضوا في السجن سنوات عديدة.
هذا هو سجل نادي الزوراء الوطني المشرِّف، اما سجل لاعبه الكبير، وقائده الجماهيري فلاح حسن، فهو معروف للقاصي والداني، ولا يحتاج الى التذكير به مطلقا.
فأنا، وغيري لا نقدر على إضافة أي شيء جديد الى الصورة الزاهية التي رسمتها الجماهير الشعبية لأبي تيسير، فصورته باتت في قلب كل محب للرياضة، وفي صدر كل مواطن يعتز بعراقيته، على الرغم من أني اعرف فلاح حسن مذ كنا طلاباً في ثانوية قتيبة، ومذ كنا لاعبين في فريق شعبي واحد: (فريق اتحاد حبيب)، لتمتد العلاقة الأخوية بيننا لأكثر من أربعين عاماً دون قطع أو خلاف. ولم أفهم عبر هذه المسيرة الطويلة المشتركة من هذا الرجل غير معنى واحد لاغير: أنه عراقي صميم لا يفهم في لغة الطائفية، ولا يعرف منها حرفاً واحداً. وأسمحوا لي ان أقول لكم أن شخصاً يتزوج من امرأة مسيحية عراقية أصيلة، لا يمكن أن يكون طائفياً قط.. وفلاح حسن بالقدر الذي كان فيه وطنياً شريفاً، لم يطأطئ رأسه لجبروت الطاغية عدي يوماً، بل كان عدي يعتبره واحداً من أعدائه، او خصومه، فقد كان زورائياً للعظم، وهو يعتبر الزوراء وطنه، وبيته، حتى أنه هجر أمريكا بكل ملذاتها، وترك بيته وعائلته، وجاء الى الزوراء ملبياً النداء الجماهيري الذي طالبه بالعودة لإنقاذ النادي. إذ جاء فلاح للنادي الذي احبه مسرعاً واستطاع أن يحقق له إنجازات كبيرة، ليس في مجال البطولات والنتائج فقط، إنما في مجال الإعمار والتجديد ايضاً، وما ملعبه الجديد الذي يشيد الآن، إلاَّ ثمرة طيبة من ثمار جهود فلاح حسن وعلاقاته الشخصية.
وخلاصة القول إن نادي الزوراء العراقي الأصيل، وقائده الوطني فلاح حسن يتعرضان اليوم لهجمة (طائفية) كريهة يقودها احمد راضي مع ثلة من اللاعبين المحسوبين على طائفة معينة، بشعار طائفي بغيض، عنوانه: أن نادي الزوراء الذي كان يوماً نادياً لهذه الطائفة، لا يمكن أن ينتقل الى نلك الطائفة!!
فمتى كان الزوراء نادياً لتلك الطائفة، كي يصبح اليوم نادياً لهذه الطائفة؟ الزوراء الذي كان عراقياً، وملكاً للجميع، سيبقى عراقياً، وملكاً للجميع، دون الادعاء بأنه ملك لهذه الطائفة او لتلك. وعلى وزارة الشباب، وعلى وجه الخصوص وزيرها الأستاذ عبد الحسين عبطان أن يتنبه لهذا الأمر، وعليه شخصياً أن يحمي عراقية هذا النادي الجماهيري، وأن يسند الشرعية، فلا يتأثر بتظاهر عدد من المأجورين (بعشرة آلاف دينار للنفر الواحد) ضد فلاح حسن.
ختاما.. أحذر وأ
https://telegram.me/buratha