عانت الانسانية على مر العصور من سياسة التسلط والقهر والعبودية، وابتلت الشعوب حقبا طويلة من عمرها بتلك النظم، لكنها- وبمرور الزمن واتساع المدارك والثقافات واستيقاض الوعي، تأججت المشاعر فالتهبت الثورات والتي اتجهت نحو تحرير الانسان والسعي الحثيث
نحو تغير القوانين المجحفة التي حفظت الحكام والملوك والنبلاء وحاشياتهم مصونين غير مسؤولين، وكبلت الجماهير بقيودالعبودية والرق والاستغلال وحرمانهم من ابسط حقوقهم في الحياة، وقد نجحت شعوب العالم- خلا المنطقة العربية - نجاحا باهرا باقامة نظرية ديمقراطية دستورية يكون الحاكم فيها موظفا واجبه خدمة الناس وهو بالتالي محاسب اما م برلمان منتخب يمثل كافة شرائح المجتمع وتطلعاتهم، كما تم الفصل بين السلطات التي تتولى ادارة شؤون البلاد وتنظيم حياة شعبها، فصارت هنالك سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، شغلها الشاغل النهوض بالبلاد نحو الرقي الاقتصادي والسياسي والحضاري.، وتحقيق الرفاه لشعوبها في ظل نظام ديمقراطي يرعى حريات الجميع بلا تمييز. وظلت المنطقة العربية-على حالها - مع تبدل وتطور بسيط في نظم الحكم لايرقى الى نسبة تذكر قياسا بانظمة الحكم في العالم المتطور، وظلت القوانين المكبلة للحريات العامة يورثها الهالك للمالك، واستمر المواطن العربي اسير قيود شيخ القبيلة واضطهاد الاقطاعي في القرى والارياف، ورب العمل في المدن حتى غدا في عبودية مركبة لايستطيع الفكاك او الخلاص منها، الى ان قامت الانقلابات العسكرية التي نظمت بعضا من قوانين العمل والاصلاح الزراعي،لكنها ادخلته في نظام دكتاتوري في بعض البلدان او سلمته الى سلطة وراثية في بلدان اخرى، حتى نسي بمرور الزمن هذه النعمة نعمة الحرية وتناسى، (كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا؟) بل الادهى والامر انه صار لايميز بينها وبين الفوضى ان تمتع بها في غفلة من غفلات الزمن وعبر مرحلة خاطفة!!
وهذا ما حصل ويحصل الان في العراق بعد عملية التغير وزوال النظام الدكتاتوري السابق، فالكثيرون لايدركون ان للحرية حدودا تدور ضمن قواعد منضبطة لاتتقاطع مع حقوق وحريات الاخرين، لا بل مع حقوق النفس المحترمة، فماكان مخالفا للشرائع والقوانين السماوية والذي ياتي بصيغة التحريم عند الاديان السماوية يقابله ما كان مخالفا لقوانين البلد. صحيح ان الناس ليسوا على درجة واحدة في تقبل الحرية وممارستها حيث ان الناس يختلفون بعضهم عن بعض من حيث استعدادهم للحرية"كما يقول العلماء" فالضعفاء دافعهم للحرية اضعف بينما الاقوياء دافعهم الى الحرية اقوى، وهذا الاختلاف هو السبب في ان ما مفروض على بعض مرتبات االافراد ليس مطلوبا من الافراد العاديين ومن هنا توجب على المعنيين صياغة القوانين التي تنظم طرق واساليب التمتع بالحريات العامة قبل ان تتحول الى حالة انفلات وفوضى نتيجة الانبهار او المفاجئة او عدم الاعتياد.
ان مانراه اليوم من فوضى ادارية واقتصادية واجتماعية، وفلتان امني وسلوكي مرده الى سوء استخدام الحرية وغياب القوانين الرادعة المنظمة لسيرها.
نعم.. ان لحقب الاستبداد والكبت والاظطهاد المتعاقبة التي صبغت تاريخ العراق طيلة السنين السود الماضية اثرها في تشويه بعض النفوس وطبعها بطابع الشر والثأر والانتقام والحقد والاثرة، لكن هذا لا يعني تخريب الممتلكات العامة ونهب المال العام واستشراء الفساد الاداري والمالي وشيوع السلب والخطف والاستهتار بالقوانين والخروج عن سيطرة الدولة، وتحدي القوانين والانظمة وحتى الاعراف! ان المسؤولية تقع-بالدرجة الاولى - على قوات التحالف التي اسقطت السلطة السابقة فهي التي اسست لهذا الفساد والخراب والارهاب بكل اشكاله حين عطلت القوانين الصارمة في حق المجرمين والمفسدين وتركت الابواب مشرعة بما فيها الحدود الدولية، وبقصد او غير قصد اطلقت يد العابثين والمخربين والسلابين والمجرمين لاشاعة الفوضى والتي تحولت فيما بعد الى ردة فعل جمعي عند ضعاف النفوس لتستمر طيلة السنين العشر الماضية من عمر عملية التغيير . بل وتتحول الى اكبر معين للارهاب.كما تتحمل الاحزاب والحركات والتجمعات السياسية جانبا اخرا من المسؤولية حيث كان المفروض بقيادتها وتنظيماتها اشاعة الوعي والتثقيف في صفوف جماهيرها على التعامل مع الوضع الجديد، واستثمار فسحة الحرية ،ان لم يكن قبل عملية التغير فخلالها او في الفترة التي اعقبت سقوط السلطة السابقة.
https://telegram.me/buratha