المقالات

رجل مغلق بالمطر قصة قصيرة

964 13:43:13 2014-11-30

(1)
خطية
تحاملت على وهن العضلات التعبى، في جسد هيجه مطر الغروب.. وحيدا داخل غرفتي، في فندق من خرائب الحرب، نسيته الفئات المتقاتلة منذ ثلاثة عقود، حول شارع "الحمرا" في بيروت، تنفذ اليه بموجب ضرورات عسكرية مقلقة.
إرتديت ثيابي بشِقِ الغائز، خارجا لتأمل الاسفلت، يغتسل بغيوم نازفة من جرح في عتمة الأصيل، بينما الارصفة تتلصص تحت ثياب قصيرة، لاتخفي بضاضة الافخاذ.
بلغت صالة الفندق، يداعبني هاجس ظاهرة الدعارة المنتشرة في العاصمة، آملا بصيد وفير، يدفئ كآبة وجلى.. "أتعلمين أي حزن يبعث المطر" غريبا على حافة شتاء البحر المتوسط، الذي يطوق رهبة المساء، منحسرا عن ظلمات عالم مجهول.. مسكين، خارج بلدي.. "والموت أهون من خطية".
خطفني "ماطور دليفري" مخلفا خطوطا متلاشية الغياب، وآخر نصب مظلة.. شاب يرتدي شورت وفانلة كومينو، من دون اردان، نسميها في العراق "على يدي هو اللقاء.. تعلاكة" ووجنات.. توهجت صبايا تحت رذاذ يلهب ثيابي المبللة بالشهوة.. دخان ظنون...

(2)
غبار إعلان
إصطفت ريم الى جانبي.. مضيفة تنشد تاكسي، تقلها الى اقرب كوافير؛ لأنها ملتزمة بطيران مبكر غدا.. قبل الفجر.. ذهبت ومكثت وحيدا، أستحضر آخر كلماتها: "راتبي لا يسد غلاء المعيشة، في تردي الاقتصاد؛ لذا "أعمول" أثناء الفراغ، لترصين دخلي"! وبقيت أرنو الى لمعان الأضواء، المنعكسة على فقاعات تنحدر، مع انسراح الشارع، من وسط البلد الى الجامعة الامريكية، تليها بضع فضاءات ودروب، تؤدي الى... قدمت لـ "ليث" ولدي.. حجزت له مقعدا، ريثما يتخرج في الاعدادية.
يتشعب "الحمرا" الى عطفات وطرق وممرات متداخلة، تكتظ بعمارات سكنية، تخبئ حكايات تزيدني شهيقا من دون زفير (!؟) فأغص... بما لذ وطاب من النساء والاحلام.
تفاءلت مبتهجا، برغم حزن المطر، الباكي شآبيب خواطر، تنزف على زجاج جدران مقهى "مزيان" مكتظا بالرقص.. شبابا وصبايا لاهثات الانوثة كالجكليت.. هورنات تستعجل الهروب من رطوبة الجو، الذي لم يحبط حيويتهن، فيزيدني لظى، إستطال يفضحني؛ فلم اعد أقوى على النهوض؛ حياءً، مثل يافعة تلتاث بأول حب يخطر؛ فيشيب قلبها من الخجل المختلج في العينين و... شفاهها تلهث.. كل النساء في المقهى لاهثة الشفاه! ترقص.
اعلانات تضحك، عبر الشارع.. عند الجهة المقابلة من الرصيف الآخر.. تزويقات على جدران متآكلة، تشير الى... فراغ، سطعت بعد ان أزاح ماء السماء، غباراً تراكم طوال الصيف.

(3)
أفعى وكأس سم
إشارة الطب التقليدية (أفعى وكأس سم) إجترحها الطبيب اليوناني ابقراط، قبل الميلاد، تضيء صليبا على بوابة صيدلية، تقدس العلم.
تقدمت في البحث، أغذ السير حثيثا، يحدوني أمل المؤتمرات التي أقرأ عنها، تعقد لمكافحة "الدعارة" في لبنان.. ترجل شاب من سيارته، يواجهني: "شو هيي الأدوية؟" فجفلت؛ ريثما أدركت أنه يحدث صاحب الصيدلية خلفي...
قاطرة ثابتة الحراك، إستعرض "الحمرا" مكامنه.. بنوك وواجهات فارهة التنوع.. أزياء ومقاه وثياب ومانيكانات بلاستيكية عارية، و... سعار جنسي يحثني على مفاتحة أية صبية تصادف... لو لا شيء من تروٍ يعقلني.

(4)
شرطي قواد
لاح لي شرطي، تمنيت ان أسأله، عن عقوبة الدعارة، في بلد مفتوح النوافذ على ثقافات الكون، كما اوصى المهاتما غاندي؟ فيجيبني بالسجن والتسفير الى بلدي، الذي سيظنه خليجيا؛ فأصحح له: "عراقي".
حينها يتعاطف معي: "تكرم عينك" ويساعدني على بلوغ مرامي: "أنتم العراقيون طيبون، لستم كغيركم، لكن إنفلات البنات مشكلة نعانيها..." تخطيته ضاحكا، أخبئ خيالي عن أن يراه: "آهٍ لو عرف وساخة ما أفكر به!؟".

(5)
خروب
رطوبة تلهب شبقي؛ فيستعر مصدرا دخان حريق يدخل المطافئ إنذاراً فتجيء برنين صفاراتها، متوزعة بين تفاصيل الشارع.. تشعب.. الثياب الداخلية التي لاتكاد تستتر... في الشارع... المطر هاميا والبرق يومض و... يرعبني الرعد.
بنت توارت خلف محطة البنزين، تحت شجرة "خروب" نسيتها الحرب، فالتة من تجريف العمارات لمزارع الخضرة وحقول القمح وبساتين الاشجار المعمرة التي "كانت" قبل شق الشارع، خلال العهد العثماني، ثم أجهز القتال على ما تبقى...
تقدمت منها:
"أسكن فندق... "
أجابت:
"لكنه واضح لا يتيه! تعال أوصلك".
تلظى مارد الخباثة، منتصبا على طول المسافة بين التيه والدلالة، مشبوبة.. تقودني، الى حيث خرجت قبل قليل من الفندق أتأمل فقاعات تنسرح، مارا بـ "مزيان" و... لجمتني:
"هذا هو الفندق.. هل تحتاج نقودا؟ لا تستحِ؛ نحن أخوة".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك