لا يمكن للباحث المنصف, أن يغض النظر عن شخصية السيد عادل عبد المهدي, في محاولة تقييم تطور الفكر السياسي والممارسة السياسية في عراق ما بعد 2003، فمع حراكه الواسع, وما توفر عليه من شهادات عليا, وخبرة سياسية تراكمية؛ نجد أن له بعدا علميا وفكريا عميقا واعيا, وإلمام ومعرفة قلّ نظيرهما, بأسس وأسباب أغلب مشكلات العراق، بجوانبها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية.
عادل عبد لمهدي, الحاصل على شهادة عليا في الاقتصاد السياسي, من جامعة بواتية في فرنسا, في عام 1972؛ لم يكن من الذين جعلوا غاية حياتهم, الحصول على تلك الشهادة, أوعلى مركز تدريسي, بل كان لحراكه ونشاطه أفاقا وأبعادا أكبر, خلقت لديه طموحا ملتهبا بإرادة تواقة إلى الإصلاح, وتحقيق حلم تكوين الدولة العادلة المعاصرة, فكانت لغربته في بلدان الشرق والغرب, ومقاربته لمشاكل السياسة العامة, والعراقية بشكل خاص, أثرا كبيرا في تكوين بنيته الفكرية سياسيا وإقتصاديا.
كان واضحا جدا في تشخيص أخطاء البنك المركزي العراقي, ومحاولة التأسيس لفكرة المحاسبة والمتابعة الشديدة لنشاط البنك, مؤشرا عدم قدرة السياسات النقدية الصادرة عنه, على حل مشاكلنا النقدية والإقتصادية, مشخصا أن حالة التقاعس في هذا المفصل الحيوي، قد عمدت إلى تغطية أخطاء القائمين عليه.
إجتماعيا, إهتم عبد المهدي بالظواهر الدينية, وسعة انتشارها في المجتمع, كما شخص وبوضوح تراجع قيم مجتمعية وأخلاقية كثيرة, كقيم الوفاء, والنزاهة, والكفاءة؛ التي كانت تمثل الأساس المتين الذي يقوم عليه بنيان المجتمع, وكان يرى أن في ضعف المؤسسات التربوية, يكمن السبب في تراجعها، وذلك على صعيد المدرسة أو البيت أو العشيرة, بل وطال الضعف حتى مجالات العمل والمعاملات اليومية؛ وأوعز هذا التراجع, إلى إنتشار المعاناة في طبقات المجتمع, هذه المعاناة التي تجسدت وخلال عقود طويلة, عبر تمثلات مختلفة, كالحروب والحصار والإستبداد ورعب السلطة.
كل هذه المشاكل بأبعادها المعروفة، ولَّدَت بنظر عبد المهدي دولة مشوهة, تعاني من العرج الإداري, والخلل الوظيفي, وضعف العقيدة الإدارية الوظيفية فيها؛ فمن فشل مقومات الإدارة المتبعة, الى افتقاد الرؤى السليمة ووحدتها لدى القوى صانعي القرارات, ما أدى إلى فوضى في المفاهيم وأساليب العمل, وتحول إدارة الدولة من القرارات الأصولية الموثوقة, إلى القرارات الباطنة الارتجالية, والتي ما إن تُتَّخَذ, إلا وتُنقض في اليوم التالي, فلا شيء مدروس وثابت إلا الاحتفاظ بالمواقع, والدفاع عن إجراءات لا منفعة عامة فيها, ومنحها أغطية قانونية وقضائية واجرائية مهلهلة, بعيدة كل البعد عن مبادىء الدستور.
لقد كان عبد المهدي, يركز في فكره السياسي, على دور الأمة بالقيام بأعباء مسؤولياتها، في النظام الديمقراطي الحاكم, فالديمقراطية في نظره كانت تمثل القضاء العادل, الذي يمكن أن تسير الحياة بموجبه بإنتظام؛ وقسم الجمهور الى نوعين: جمهور الشعب, وجمهور السلطة والمواقع؛ فكان يرى أن قيام الحالة الحزبية السياسية الصحيحة في العراق, يجب أن تكون معتمدة على النوع الأول, والذي من خلاله يمكن خلق نسب عمل ثابتة، في الحياة السياسية اليومية, لا كما هو عليه الحال في المثال الثاني, الذي يتميز بالتقلب والتناقض والبرغماتية.
عبد المهدي, منظومة فكرية سياسية وقيمية واسعة, وما ذكر أعلاه, هو قراءة بسيطة لبعض أفكاره؛ والرجل لم يبلغ حد الكمال, فالعيب الوحيد فيه إن صح التعبير, أنه يتعامل مع الوقائع والأحداث, بروح العالم والسياسي المحنك, ولا يتعامل بأسلوب البطولات التلفزيونية الفارغة, والخطب الرنانة, والإكثار من الكذب والتهويل؛ ومع الأسف, النوع الثاني, هو ما يحبه العراقيين ويعشقونه.
عادل عبد المهدي هو: عالِمٌ ضاعَ بين جُهّال (الجمهور)!
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.
https://telegram.me/buratha