كان ياما كان، في قريب الزمان.. كان هناك رجل يدعى بن مالك، وكان حاكماً في بلاد يقال لها أرض السواد، وكان في البلدة رجل حكيم، ينحدر من سلالة شريفة، لها تأريخ حميد، ومجد تليد، في الذود عن البلاد، وإرشاد العباد، إلى طرق الخير، وسبل الرشاد، وكان بن مالك هذا، قبل توليه الحكم، رجلاً مغموراً في عالم السياسة، بعيداً عن أنظار السياسيين، بحيث يكاد لا يعرفه أحد، إلا عدد من محازبيه، أو المنضوين تحت مظلة حزبه، وذات يوم، قرر الرجل الحكيم مساعدة بن مالك هذا، بالوصول إلى الحكم في بلاد السواد.
مبيناً له، إن المنصب الذي وصل إليه بمساعدته، وبتأييد من سكان البلدة، إنما هو تكليف لا تشريف، محذراً إياه، قائلاً له.. بأن الحكم سيكون سلاحاً ذا حدين، فإن أنت شرفته شرفك، وإن أنت إبتذلته وبخسته حقه، إبتذلك، وحط من قدرك، لدى الخالق، ولدينا، ولدى الناس أجمعين، فإحرص على أن تكون أهلاً للأمانة، وصائنا لها، فما كان من بن مالك؛ إلا أن قدم العهود والمواثيق، وأقسم للحكيم، بأن يحكم بما أنزل الباري، وبما تنص عليه اللوائح والقوانين في بلاد أرض السواد.
وما أن تسلم مقاليد الحكم، وأمسك بزمام الأمور، حتى بدأ يظن نفسه بأنه الأوحد في كل شي، فأصبح هو الملك، والوزير، وقائد الجند، والسجان، والصراف، والمتصرف بكل شيء، ولم يشرك معه في الحكم أحد مطلقاً، كما إنه قد تنصل عن وعوده للحكيم، ولأهل البلدة، وأخذ يردد على الملأ، بمناسبة وبدون مناسبة، بأنه أخذها- ويعني السلطة- ولن يعطيها لأي أحد كان، فظن الناس في بادىء الأمر، أنها دعابة من الحاكم لشعبه.
لم يكتف بن مالك، بهذا القدر من الإنحراف عن مسار السياسة، وسوء ممارسة الرياسة، ولم يعر أهميةً لنصائح الحكيم، وبعض الساسة، فتمادى في غيه، وبدأ بالتصريح بعد التلميح، بل إنه أخذ يعمل على إضعاف نفوذ الرجل الحكيم- الذي ساعده في الوصول إلى الحكم - من خلال شراء ذمم بعضاً من رؤساء القبائل، والرواة، ومن الشعراء والتجار، وبعضاً من قادة الجند.
إستغل بن مالك حاجة الناس إلى الأمان، وتخوفهم من إنفلات الأمور، وتطلعاتهم إلى العيش بسلام، فقام بمعركة داخلية، إستخدم فيها إسم الفرسان، ليسطر له بها مجداً؛ من خلال الأعمال العسكرية، وإثارة المشاكل السياسية، والعمل على خلق الأعداء، ليغطي على فشله، في إدارة شؤون المملكة الأخرى، وليتسنى له البقاء في الحكم.
إن جهل بن مالك في السياسة، جعله عاجزاً عن المحافظة على السلطة، فهو لم يعرفها على حقيقتها، فلم يكن أطوع إليه منها، لو إنه عرف كيف يسوسها، ويدير شؤنها، لكنه إعتبرها مغنماً شخصياً، وحقاً حصرياً، ليحجب خيراتها عن أقرب مستحقيها.
لعل سبب تعلق الناس الشديد بالسلطة، هو النزعة الشخصية، أو الرغبة الكامنة في طيات النفوس، والتي تتمثل في حب السلطة والجاه والشهرة والمال، وقد إجتمع ذلك كله، عند بن مالك.
زاره الحكيم قائلاً له، أخرج مما خولناك فلست أهلاً له، فقد خولنا من سيعطيها كل ما يملك، نزاهةً ونبلاً وعطاءً.
https://telegram.me/buratha