ثقافة القطيع، تعبير يطلق على رد الفعل الجمعي، الذي يولده فعل سابق له، سواءً كان ذلك الفعل مقصوداً أم لا، بحيث تجد جمعاً من الناس يهلل ويطبل لزعيم سياسي لا لشيء، إلا لكونه ينتمي إلى مكون معين، أو طائفة بذاتها، بغض النظر عن قناعاتهم، وعن مصداقية ذلك الزعيم.
التنافس السياسي المحموم على الإستئثار بالمناصب السيادية، ومراكز القرار، دفع كثيراً من السياسيين إلى ممارسة الفساد المالي والإداري، فضلاً عن الفساد السياسي، محاولة منهم للحصول على شريحة مستفيدة، تضمن لهم البقاء في السلطة، مما خلق طبقة فاسدة، تطمح إلى السيطرة الكاملة على مراكز القرار، والإنقلاب على النهج الديموقراطي.
أن الإشكالية الحقيقية، تكمن في تركيبة البنى الفوقية للمجتمع السياسي، والمنظمات المدنية التي تمثل الرأي العام؛ مما دفع بهذه المكونات، والمؤسسات- الحزبية والعشائرية والدينية- إلى إعتبار نفسها عقيدة غير قابلة للنقاش، وكل ما يمكن أن يصدر تجاهها من الأطراف الأخرى، لا يمثل لديها رأياً معتبراً، ولا موقفاً محترماَ. يعاني النسيج السياسي من إشكاليات عديدة أهمها، تبعية بعض رموزه إلى دول إقليمية ودولية، والتي تتطلب منهم العمل وفق رؤىً وأجندات محددة، لتحقيق مصالح تلك الدول، حتى وإن تقاطعت مع مصلحة الوطن، ومما يعاني منه ذلك النسيج أيضاً، هو التكافؤ في نفوذ مكوناته السياسية، في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
الأمر الذي غيب الدور الرقابي للبرلمان، وأدى إلى تغليب مبدأ الحصانة الكتلوية، والتي وفرت حماية تشريعية للمناصب التنفيذية، بحيث لا يمكن محاسبة المقصر مادام هناك من يمثله تحت قبة البرلمان، سواء كان ذلك المقصر رئيساً للوزراء، أو وزيراً، أو غير ذلك من الوظائف الحكومية، وفق مبدأ( حاميها حراميها). أدى ذلك، إلى هشاشة اللحمة الجماهيرية، والأواصر الأخوية، والإعتبارات الوطنية، بين مكونات الشعب، الأمر الذي جعل حالة من القلق، وإنعدام الثقة، تسود العلاقات العامة لهذه المكونات، لما عكسته الممارسات السياسية، من خلال تخوين بعضهم للبعض الآخر، والتحجج بإن ذلك إنتصاراً للمكون الذي ينتمي إليه هذا السياسي أو ذاك.
عندما تتصاعد أعمال العنف من طرف واحد، مع إعلان واضح، بأنها موجهة ضد الحكومة الشرعية، وإن غايتها هي تحقيق إرادة خارجية، لإفشال العملية السياسية في العراق، فإن ذلك سيكون دافعاً للطرف الآخر، بأن يبحث عن قوىً خارجية أخرى، لفرض واقع متوازن أمنياً ومجتمعيا،ً لمواجهة أي تهديد أمني محتمل. إن دعوة بعض المشتغلين بالحقل السياسي، إلى تشكيل فريق حكومي قوي متجانس، ويتميز بشراكة الأقوياء، تنطلق من مبدأ الحرص على النهوض بالواقع السياسي، من خلال إدارة البلاد بواسطة قوىً حقيقية، ومؤثرة في القرار السياسي، وتمتلك من القواعد الجماهيرية، ما يمكنها من تفعيل برامجها، والوصول إلى التوازن السياسي والإجتماعي المطلوب.
لابد للفكر السياسي في العراق؛ من أن ينضج إلى المستوى الذي يلبي طموحات الجماهير، ولابد للشعب أن يوحد كلمته، وأن يوجه بوصلة رؤيته إلى عراق موحد، يسمو على كل المسميات العرقية، والدينية، والطائفية، ولابد للحناجر أن تصدح حباً لتغيض أعداء الوطن. حتى يتردد صداها في مدى الزمان..كلنا عراق
https://telegram.me/buratha