هل التقصير من الشعب ؟
أم أن الحكومة هي المقصرة؟
وما هو دور الشعب في العمل السياسي والحكومي؟ هل أنه متفاعل منفعل به؟ أم أنه مغلوب على أمره؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها, عند التفكير في أي ظاهرة سياسية تقع في زمان ومكان معينين؛ ولكن المشكلة الحقيقية إنما تكون في عمق القناعات, التي يملكها السائل عن موضوع السؤال .
الممارسة السياسية في العراق, إمتلكت مساحة واسعة في حرية التفكير والنقد والتوصيف, وهذا بحد ذاته يعتبر أمرا صحيحا وجيدا, ولكن, هل أن هذه العملية كانت تسير بشكلها الأصولي والصحيح, أم لا ؟ خاصة وأننا نتلمس اتهامات متبادلة لفريقين: فريق يرى أن الشعب بقلة وعيه الثقافي السياسي, هو أحد أهم الأسباب في انتاج عملية سياسية ديمقراطية مشوهة, دليلهم في ذلك هو: تعود المجتمع العراقي على النقد العشوائي, لعمل الحكومات وممارساتها؛ الصنف الثاني: يرى أن سبب المشاكل والإخفاقات هو فريق العمل الحكومي, ببعده الوظائفي, وببعده السلوكي الممارساتي, والذي أنتج- بنظر هؤلاء- تجربة سياسية فاشلة وبإمتياز.
يرى بعض المفكرين, أن فكرة التمايز بين المجتمع والدولة, تعني في بعض معانيها, التَفَلّت من هيمنة الدولة, على مرافق الحياة كافة, والإقرار بوجود حيز سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي, خارج سطوة الدولة. ومفهوم السلطة, أو سلطة الدولة (الملك, الإمبراطور, الزعيم), في العصور السابقة, كانت قائمة على مبدأ إبتلاع المجتمع وإلغاء حضور الفرد, والسيطرة على مرافق المجتمع وأفراده, سواء أكانت الإيمانية أو الإقتصادية أو السياسية, مقابل هامشية حضور الإنسان (كفرد وكجماعة), ومشاركته في شؤون البلد وحكمه.
إن جوهر فكرة ( التمايز بين الدولة والمجتمع) يقود, من حيث المبدأ, الى مسألتين :
الأولى: هي النظر لمفهوم السياسة؛ فلم تعد السياسة بَعدُ شأنا خاصا أو مقدسا, أو عملا غامضا محاط بالألغاز والأحاجي, أو نشاطا مقتصرا على فئة قليلة أو قلة من الممارسين للعمل السياسي؛ بل غدت السياسة كظاهرة, شانا اجتماعيا عاما, تقوم على مفهوم المواطنة, وحق المواطن في أن يكون حاكما ومحكوما, وحقه في أن يمارس أنواع الضغوط المشروعة, للتأثير على أصحاب السلطة (الحكام) وصناع القرار, ليستحصل حقوقه العامة والخاصة.
المسألة الثانية: تتمثل في ترسيخ فكرة المجتمع السياسي المدني, وهي في مفهومها الحقيقي عملية اقرار , في الفكر الإجتماعي والسياسي, بوجود فروقات بين النظامين : المدني والسياسي, وإدراك أن المجتمع المدني, هو وحدة مستقلة ومميزة. أي انه لا يخضع خضوعا إداريا وظيفيا لتأثير النظام السياسي؛ إنما هو يمثل مجموعة قوى تميل عندما تحقق تطورا ما, إلى (إخضاع) النظام السياسي ذاته, بوصف النظام السياسي, واحدا من المكونات النظامية لمجتمع المدني.
من خلال ما تم ذكره أعلاه , نصل الى نتيجة مهمة جدا, وهي أن العملية السياسية في العراق, قد كانت في الأساس تحمل بنيتها الإجتماعية الخاصة بها, هذه البنية التي لم يتمكن المجتمع من التأثير بها وبشكل صحيح, وفي حدودها المرسومة له, أو السيطرة على سلوك السياسي الفرد في الدولة, مما أدى الى أن يكون المسؤول السياسي أو الحكومي , في جانب منه يمثل وعيه التربوي والقيمي الذي غذاه به المجتمع, وجانبه الثاني, يمثل السلوكيات المنحرفة التي اتسم بها خلال عمله, والمنبثقة من نفس البنية التي أنتجته.
ما نحتاجه هو أن يكون المجتمع, كأفراد وكجماعات, على وعي تام بأنهم يمثلون المدرسة التربوية الأخلاقية المجتمعية التي يتخرج منها السياسي, وموظف الحكومة, مهما كانت درجته أو منصبه أو موقعه؛ وبحاجة في هذا الظرف, إلى اعادة تأسيس لبناء جديد, يقود وعي المجتمع بطريقة صحيحه, ليضعه في مسارات تمكنه من القيام بما هو مناط به من التأثير في العملية السياسة, وهذا بحد ذاته يحتاج لتظافر جهود كثيرة, من كل مؤسسات المجتمع: الدينية الحوزوية, والقيمية العشائرية, الأكاديمية البحثية الجامعية, وغيرها الكثير .
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.
https://telegram.me/buratha