يعاني العراق منذ سقوط نظام الطاغية الهدام، من أزمات متتالية، تكاد تكون متصلة ببعضها، كما حلقات القيد، أو متشابكة كما حبال الشباك.
في الحالتين تكون النتيجة واحدة؛ وهي العمل على تعطيل عملية البناء في المجالات كافة، السياسية منها، والإقتصادية، والتنموية، والقعود بالشعب عن ممارسة دوره في الحياة.
من أخطر الأزمات التي واجهها العراق، هي وجود طبقة سياسية متنفذة، تمتلك حصانة مزدوجة- برلمانية وفئوية- وجنسيات متعددة- عراقية وكذائية- وولاءات مشتتة- شرقية وغربية- ولا ولاء للوطن إلا من خلال الحالة النفعية للحزب، أو المكون أو الطائفة. ساعد ذلك؛ على تنامي حالة من الإفتاء السياسي المطلق، والذي لا يخضع للمناقشة أو الإنتقاد، ولا يكاد يؤثر في مشروعية نفاذه شيء، إلا اللهم، جلسات التسوية والتوافق الخاصة، بعيداً عن أعين الحاسدين، في غرف مغلقة، تكاد تكون من أبغض بقاع الأرض عند الخالق- جل وعلا- لما يمارس فيها من بيع للذمم، وخيانة للضمائر، ورقص على جثث الضحايا والمغدورين.
القاعدة، والإرهاب، وداعش، مسميات طالما طرقت أسماعنا كمرادف لمفردات الموت، والنهب، والدمار، فقد سالت أنهاراً من الدماء، وشيعت قوافلاً من الشهداء؛ نتيجة لفعالية ثالوث الموت المشؤوم هذا، أمام فشل التدابير الحكومية، في المجالين الأمني والعسكري.
داعش تلك المنظمة الإرهابية، التي ضربت بكل بقاع العمق العربي، واليوم باتت تهدد الأمن والسلام العالميين، لا يمكن لها مطلقاً، أن تكون مجموعة من المسلحين، من الذين يقاتلون هنا وهناك، دون تخطيط أو دراسة، ودون أهداف وأجندات محددة، بل على العكس، فهي منظمة عالمية، غاية في الإعداد والإستعداد، ومستوفية للعدة والعدد، وتمتلك من البعد السياسي ما يؤهلها لإن تكون عنصراً ضاغطاً، وفاعلاً، ومؤثراً في مجريات الأحداث.
ذلك البعد، الذي وفر لها الغطاء السياسي، من خلال العمل على تعطيل القوانين، والإجراءات الرادعة، التي من الممكن أن تتخذها بعض الدول، من التي هي على تماس مباشر، مع النشاط الإرهابي لهذه المنظمة، كما حدث في العراق، عندما طالب بعض أعضاء المكون السني، بإلغاء قانون المسائلة والعدالة، ومادة (4) إرهاب، مما أكد على أن هذه المنظمة، تمتلك إستراتيجية مهمة جداً، تقوم على أساس عدم قيامها بأي عمل عسكري في أي من البلدان، ما لم تقوم ببناء الحواضن، وإيجاد جناح سياسي عملي داعم، ومؤثر في عملية إتخاذ القرار .
فصائل داعش في العراق مثلا، لا تتشابه بالشكل مطلقا، ولكنها تتكامل بالضبط منهجاً، فلكل فصيل منها دور مرسوم بعناية، ومهمة محددة بدقة، إذ تجد فيها فصائل مسلحة تقوم بعمليات القتل والتهجير، وفصائل أخرى تشيع الرعب والذعر، من خلال الإشاعة والتحريض، وفصائل قد لبست لباس الدين، وتباكت على دماء المسلمين، وأخطر هذه الفصائل، وأمضاها حداً، وأحدها سناناً، وأبلغها تأثيراً، تلك هي فصائل الساسة من الدواعش البعثيين، والطائفيين، والإنتهازيين.
إمتهن بعض الساسة العراقيون خيانة الوطن، وبعضهم السكوت والسير بجوار الجدار، كما إمتهن بعض منهم العمل على تسقيط كل ما هو وطني شريف، والتشكيك بكل بادرة طيبة، وإختلاق الأزمات ووضع العصي في عجلة إصلاح البنى السياسية، والشروع في عملية البناء المؤسساتي النزيه، وكل هؤلاء السياسيون، هم داعشيون وإن لم ينتموا.
لم تخل ساحة السياسة من شريف، ولم تعدم النهج العفيف، فهناك من تصدى لمسؤولية بناء دولة عادلة عصرية، وراهن على قيامها شرط تسنمه مواقع إتخاذ القرار، وهاهو اليوم، يمتلك من المحافظات إثنتين، ومن الوزارات ثلاث، فهلموا نتربص به، ونرى ماهو صانع، شريطة أن نكون عادلين في حكمنا على أداء وزراءه ومحافظيه.
لن ينهض العراق إلا بالتمييز بين الجهد النبيل، والمسعى الخبيث، ولن يفكر لنا أحد نيابة عنا، هلموا نقاتل كل فصائل داعش، ونشد على يد الشرفاء، ونآزر ذلك الأمل، وتربصوا بهم جميعاً، إني معكم من المتربصين.
https://telegram.me/buratha