تحدثنا طويلا، وكان الحس الوطني طاغياً، والوازع الديني حاضراً، والإنتماء المذهبي متسيداً، كنا جالسين وأحدنا قبالة الآخر.
كان حديثنا لاهثاً، رغم تظاهر كلانا ببرودة الأعصاب، ورباطة الجأش، وكان فئوياً، رغم إدعاء كلانا فخرا،ً بإنتمائنا لإمة واحدة، بل كان الحديث طائفياً بإمتياز، على الرغم من إظهار تشرفنا باننا من دين واحد.
منذ الوهلة الاولى، للقائي بذلك الرجل،أدركت أن لديه زهواً وفخراً، وإهتماماً لافتاً بهندامه، ساورني شعور بأن زهوه وفخره هذان، لا يمكن أن يكونا ناجمين عن تأريخ أصيل،أو إنتماء مجيد، لما يظهره من إمارات التمدن والإستعلاء الزائفتين.
سألته، ممن الرجل؟
قال أنا؟.. وسكت هنيهة وأجابني.. وهو يبتسم زاماً شفتيه، ناظراً إلي بعين واحدة، وهو يقول، أنا من السعودية.. وبادرني بالسؤال عن بلدي..!
قلت، وأنا انظر في عينيه، بكل شموخ الجراح، وعطاء دجلة والفرات، ومجد سومر، وعنفوان النخيل، أنا عراقي.
أنت من العراق؟ ..أنت عراقي إذاً؟.. قالها وهو يتفحص جسدي بعينيه، باحثاً عن جراحات في جسدي، ملتمساً نقصاً في أعضائي، وهو في قرارة نفسه، يتساءل إين ذهبت أموالنا؟.. تلك التي دفع بها ملوك وأمراء آل سعود، كيف يعقل أن يكون هذا الرجل عراقياً، دونما خدش في جسده، أو إنكسار في نبرة صوته.
سألته، وكأنني سمعت ما كان يدور في خاطره، هل خذلكم الدواعش؟ هل إنكفأتم على أنفسكم؟ هل أحس آل سعود بأن خطر الإرهاب، بات على أبواب مملكتهم؟
أجابني متلعثماً، أي دواعش تعني؟
قلت، كل ربائبكم وربيباتكم، ممن حملوا السلاح، وممن تزيوا بزي الدين، وممن باعوا وطنهم مقابل فتات موائد آل سعود، وكل شيخ من شيوخ العشائر، من الذين أزكموا أنوفنا برائحة الفسق والفجور، حين أباحوا أعراض نسائهم، لدواعش الغرب، والترك، والشيشان، والأفغان.
قال، نحن عازمون على قتال داعش، ضمن تحالف دولي، فكيف تبرر دعمنا له؟
قلت، كما دعمتم، صدام في حربه مع إيران، وحاربتموه في تحالف دولي أيضاً، لأنه قد خرج عن نطاق السيطرة، كذلك داعش، عندما تمدد، وأحس بجبروت السلطان، عق مربيه، وأبق أسياده، لذلك وجب القضاء عليه.
داعش لم يحقق أياً من أهدافه، إلا هدف واحد فقط، وهو تشويه صورة الأسلام والمسلمين، بل على العكس، فقد دمر البنى التحتية، والبنى الإجتماعية، وأفشل أغلب مشاريعكم.
داعش فشل فشلا ذريعا، في تحقيق الهدف الحقيقي، الذي عين له، في إختراق حدود جغرافية الحصن الشيعي، ولم يحقق فيها أية نجاحات تذكر.
لذا، فأنتم مستعدون للتحالف مع الشيطان، على أن لا يكون هناك دور لإيران في هذا التحالف، رغم إنها تعد لاعباً رئيسياً، ومؤثراً بشكل كبير، فهي على تماس مباشر لسوح المنازلة مع الإرهاب، بمساحة تقدر ب(1400) كم .
قلت له متسائلاً.. أيعقل أن يحارب الإرهاب نفسه؟ أيعقل أن تريد أمريكا بالعراق خيرا؟ وهي التي حنثت بوعودها للعراقيين، وتنصلت عن إلتزاماتها في الإتفاقية الأمنية معهم.
قال.. وإذاً..؟
قلت إذاً، يا أيها الإنسان، ويا أيها العربي، ويا أخي المسلم، ويا جاري السعودي، نحن رغم كل ذلك، نقف على طرفي نقيض، ولتعلم جيداً بأنني منذ أن صارت السعودية، وحتى الآن لم أعترف بها.. فقد أوقفت إعترافي بها، منذ تبدل إسمها من بلاد نجد والحجاز، إلى التيمن البغيض بإسم آل سعود وسميت (السعوية).
أيها السعودي، إعلم إن العراق مازال فتياً، رغم عمره الطويل، فقد كان العراق قبل أن يكون آل سعود وسيبقى العراق بعد فناء آل سعود وبوار ملكهم.
https://telegram.me/buratha