سقط الصنم، وإذا بالسماء تمطر إحتلالاً، وبالأرض تقذف من جوفها مقابراً، ورجالاً لم يعودوا رجالاً، ونساءً لم يعدن نساءً.
تبدل حال العراق، من ديكتاتورية بغيضة، إلى ديموقراطية مقيتة، برلمان كثير العدد، قليل العطاء، غليظ القسم، عديم الوفاء، مؤسسات مترهلة بوظائفها، رشيقة حد النحافة بإنجازاتها.
أصبح لنا موسم، نجتمع فيه ، كل أربع سنوات، كي نختار من بيننا، سراقاً وذباحين، وقردة، ونصبغ فيه أصابعنا بلون بنفسجي، لتلون بعدها نحورنا بدم أحمر.
ينادي سياسيونا كلهم بالوحدة، ويعمل جلهم على التفرقة وتقسيم البلاد، يتشدقون بالوطنية، ويحترفون الخيانة، حتى بتنا نستحي، ونذوي خجلاً، من تصرفاتهم وأفاعيلهم.
ذات يوم سمعت صوتاً شجياً، عندما كنت ماراً بالقرب من المنطقة الخضراء.. صوتاً يشبه النحيب، عندما يزاحمه الأنين وترافقه غصة الفراق، وتحيط به خيبة أمل.. أصخت إليه بسمعي وهو يقول..
متاهاتٌ..
وريح دائم صَخِبُ
متاهاتٌ..
وشعب منهك تَعِبُ
متاهاتٌ ..
وضِعنا في أزقتها
متاهاتٌ..
وضاع الجد واللعِبُ.
ما أن سمع وقع أقدامي.. حتى توقف عن ذلك الأنين، ثم نظر إلي بعينين مغرورقتين بالدمع، أحزنني حاله، ورثيت له، بادرته بالسلام، أجاب تحيتي، وحياني بأحسن منها، جلست عنده، بعد أن أستأذنته، تمنى لي الخير كما هو شأن الأصلاء من أبناء الجنوب (الشروكية)، بقوله(صبحكم الباري بخير)، وتمنيت له الخير أيضاً، فأنا في الحقيقة(شروكي الأصل) وأفهم في الإصول، والتي كانت مدار حديثنا.
سألني هل سمعت بما حدث في قاعدة سبايكر؟ وهل علمت إن سبيل المعروف قد أنقطع؟ وهل علمت إن الدخيل بات لا يؤمن، والمستجير لا يجار؟ وهل علمت إن نهر دجلة قد تغير لونه، وإستحال دماً؟ وهل علمت إن لا إخوة بين العراقيين، إلا كلاماً ؟
نعم سيدي..أجبته خجلاً، لقد علمت بكل ذلك، وأني لأظنك مفجوع بولدك، أليس كذلك؟
أجابني مؤكدا، نعم.. فجعت به غريبا في بلده، خائفا من أهله، أسيراً في وطنه، صريعا في نهر، طالما إرتوى من عذب ماءه.
طأطأ رأسه، وهو يهزه يمنة ويسرة، وهو يسألني مرة أخرى، هل علمت أن من إنتخبناهم قد إسخفوا بنا، وبدماء أبنائنا، وأنهم قد أعدوا مسرحية أستجواب هزيلة، وأنهم قاموا بتسييس ماحصل، هل علمت أنهم قد توافقوا، وإتفقوا على ترك الخلافات، وقد جعلوا مجازر أبنائنا مجرد خلافات، يمكن أن تحل على طاولة المفاوضات.
لقد ساروا على خطى من لا خطىً له، فقد كان رئيس الوزراء السابق، وولي الدم، يصرح ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، (أنا على معرفة بمن يمول الإرهاب).. (أنا على علم بمن يدخل السيارات المفخخة)..(ولكنني، أتغاضى عن ذكر إسمه، وأُحجم عن التعريف به، حفاظاً على العملية السياسية.
إلتفت إلي قائلا..هل يمكنك أن توصل رسالة مني ألى رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي؟ قلت وما هي؟
قال، (قل له.. ليكن العراق كل همك، وليكن المواطن وهمومه، وأمنه، وسلامته، أهم من العملية السياسية ، ومن مغرياتها، وأهم لديك من كرسي الحكم، وزن أنت الكرسي بعدلك، ولا يزنك هو ببريقه الخداع، وخذ لي بثأر ولدي)
https://telegram.me/buratha