المكان: جزيرة سبتسبورغن في منطقة سفالبارد الجبلية النرويجية. وتحديدا أعلى جبل في هذه الجزيرة المستقرة النائية بالقرب من القطب الشمالي وكأنها مهيأة لاحتضان مشاريع دائمة لخدمة البشرية على المدى البعيد.
المشروع: بناء قبو "القيامة" ليكون "بنكا" للبذور كاحتياطي ورصيد للأجيال المقبلة، في خطوة استباقية لتصورات مستقبلية، تحسبا لحصول الكوارث الطبيعية المحتملة، من تغيرات مناخية وذوبان ثلوج القطبين وسقوط نيازك كبيرة، أو حصول الكوارث "الاصطناعية" من تفجيرات نووية وهيدروجينية، وحروب أسلحة الدمار الشامل وكل ما يدخل في اهلاك الزرع والضرع. الحكومة النرويجية رصدت مبلغ خمسة ملايين دولار أميركي كتكلفة تخمينية لبناء هذا القبو والذي تم الانتهاء من انجاز مراحل متقدمة من اقسامه البناء سيكون بعمق "120 مترا" داخل ذلك الجبل الشامخ بعد أن تم دراسة تشكيلته الجيولوجية والتأكد من ملاءمتها لهذا المشروع. هذا البنك المذهل سيتسع لادخار ثلاثة ملايين عينة من البذور، حيث تولت مجموعة زراعية شهيرة تحمل اسم "كلوبل كروب دايفار سيتي تراست" مهمة جمع وصيانة العينات لحفظ نوع البذور الى قيام الساعة. وضعت تصاميم محطة رعاية وحماية البذور داخل البنك من الدقة بحيث لا تحتاج معها الى تدخل بشري مكثف أو مستمر، إذ تحتاج الى خبير واحد يدخل مرة واحدة في السنة لتفقد حالة البذور والتأكد من سلامتها!.
الإستغراق في شرح تفاصيل هذا المشروع، الذي تجاوز الاهتمام بمشاكل الأمن الغذائي الوطني وعبرها بمسافات شاسعة ليعنى بالأمن الغذائي الإنساني، سيظهر الموضوع وكأنه فلم من أفلام الخيال العلمي!. لكن الحقيقة تقول: إنها تطلعات مستقبلية مسؤولة وانجاز بشري رائع نفذ على أرض الواقع شأنه شأن الاكتشافات والابتكارات والمخترعات التي خدمت الإنسانية ووفرت لبني البشر كل ما يحتاجون، وسهلت ويسرت العسير وذللت الصعاب في كافة الميادين الطبية، والغذائية والخدمية والنقل والمواصلات وجميع مستلزمات الحياة المتحضرة حيث تم القضاء على الأوبئة المتفشية ووضع العلاج للأمراض المستعصية، وايجاد الحلول لحالات العوق والاحتياجات الخاصة وتم تطوير الجينات النباتية لاستخراج ناتج زراعي يوفر الغذاء للملايين من البشر. وبفضل الصناعات المتطورة اختصرت المسافات وتحول العالم الى قرية صغيرة وصار الانسان يحصل على كل ما خطر بباله من مقومات الحياة اليومية ومتطلبات العيش المرفه. وها هي الأفكار الناضجة النابعة من تطلعات مشرقة ومشاعر انسانية مسؤولة راقية تنفذ حرفيا مبادئيء: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون!.
وأزاء هذا المنجز العظيم نقف ممتنين لتلك الذهنيات الجبارة.. ونحتار في اختيار "الشماعة" التي سنعلق عليها فشلنا وخيبتنا وعجزنا.. ونبحث عن الجهة التي نصب عليها لومنا وجام غضبنا!، فشتان بين تطلعات وتطلعات.. وتصورات وتصورات.
أكيد ان قوى الشر والظلام الكهوفية من القاعدة وداعش ومشتقاتهما في حالة طوارئ واستنفار، وسيعكف عناصرها على دراسة ستراتيجية جديدة من شأنها مواجهة هذه الابتكارات الخلاقة بابتكار خارق مضاد. وكون قبو "القيامة" سيقام قريبا من القطب الشمالي فأغلب الظن أنهم سيعمدون الى تفجيره بعملية نوعية بواسطة دببة قطبية مفخخة!.
https://telegram.me/buratha