أقوى الدول..فيدرالية!
تشكّل الشعوب التي تتمتع بالنظام الفيدرالي حوالي 40% من نسبة سكان العالم, أغلب هذه الشعوب تقع في بلدان متميزة إقتصادياً, وسياسياً, وإجتماعياً, وأمنياً..منها الولايات المتحدة, وروسيا,والمانيا, وإسبانيا, وسويسرا, والأمارات المتحدة..إلخ. لم تقم تلك الفدراليات إلا على أنقاض أنظمة أو تراكمات هائلة من المشاكل التي أبقتها ردحاً من الزمن في دوامة من العنف, والتشرد, والتخلف. وبتبنيها لهذا النظام, تخلّصت من تبعات الماضي الموبوء بمشاكل, أغلبها من النوع الذي يشهده العراق اليوم, حيث سطوة الصراعات المكوناتية.
النموذج الإسباني كمثال؛ فالدستور يعترف بالكيانات التاريخية ويسميها "قوميات" تجنباً لكلمة "شعوب", ولعل أالإسبان لم يتخلصوا بعد من إشكالية الهويات الثانوية, رغم تبلور الهوية الوطنية, غير إن الأهم هو الإستقرار العظيم, والنمو اللافت الذي تحقق بعد العمل بدستور 1976.
هل من بدائل..؟
الفيدرالية في جميع الدول التي تتبناها, وحدّت الأجزاء؛ إما في العراق, فيُطرح السؤال المنطقي الإتي: لماذا نجزّء الموحد؟
في الواقع, لا يوجد هناك دولة سارت بنهج صحيح أو قاربت النضوج على مر التاريخ العراقي المعاصر, سوى بعض السنوات المتباعدة في ظل تواجد شخصيات معتدلة أبان فترة عبد الكريم قاسم, أو العهد الملكي, فقد كانت الحكومات توصف ب"جمهوريات الخوف", أغلب المشاكل الإجتماعية والسياسية لا تطفو على السطح, فقيت مكبوتة, لإشباع جشع الحكّام.
الإنفتاح التالي لسقوط الدكتاتورية, أظهر عمق التباين في المجتمع العراقي, لذا وجب إعادة تقييم ومراجعة, وهيكلة شكل الدولة؛ للقضاء على ذلك التباين. تغيير المعتقدات الشعبية أمر مستحيل, سيما في ظل النزعة التطرفية والعشائرية التي تأبى التنازل, والتدخلات الخارجية.
الأمر الآخر, والذي لا يقل حساسية عن التمايز العقائدي, هو تأثير المحيط الأقليمي, على الوضع الداخلي, نتيجة لإرتباط الداخل بالإقليم, بروابط مذهبية. وهو ما يحدث اليوم في سوريا وتداخل الحدود وتأثيرها على الوضع الأمني في العراق.
حكومة الأغلبية, والحوار الوطني, والمصالحة؛ مفاهيم غير مجدية طالما الإرادة الشعبية تناقض الوضع الرسمي وتخضع لإملائات غير مؤمنة بالعراق الجديد, فذابت الحدود, وتلاشت الهوية الموحدة, فالسني يعتبر قضيته قضية أمة, والشيعي كذلك, بينما الكردي يتمتع بإستقرار كبير في ظل حكم ذاتي فيدرالي..! تجنّب الكرد جنون الموت وتطرف الإرهاب, وتطورت مناطقه, فيما يعيش بقية الشعب على هامش الحياة, وهو يتراجع في كل شيء, وتقوده موجات التطرف إلى الموت الجماعي بشكل بشع ودون بحث عن حل..!
في العراق نظام سياسي قديم, متهالك يُعمل به, ودستور معطّل, وشعب ينقرض موتاً وإنقساماً..الوحدة الحقيقية تُعد بمثابة فرملة لعجلة الموت والنكوص في كل شيء, بمعنى آخر: نحن بحاجة لإعادة صياغة الشعب, وهويته, وفق منظور الدولة الدستورية العصرية. وهذا لا يتحقق إلا بحلحلة خيوط الأزمة, ولن تتحقق الوحد دون دولة قوية, وهذه لن تقوم بأطراف متمردة؛ إنما أطراف قوية خاضعة لمركز يستمد قوته من أطرافه, دون تداخل في الصلاحيات.
نظام القالب الجاهز..!
إن الكثير من قوى المعارضة العراقية, التي صارت, قوى سياسية حاكمة؛ لم تكن تمتلك مشروع أو رؤية واضحة للدولة وشكل النظام في مرحلة ما بعد السقوط, سيما تلك المعارضة للتغيير..كما إن النظام السابق ولما يمتلكه من منظومة قمعية إرهابية رهيبة, غيّب الوعي الجماهيري, ولعل سقوط النظام السياسي البائد في العراق, لم تسقط معه النظم الإجتماعية والإقتصادية وحتى الفكرية, فطريقة تفكير العقل العراقي, برغم معارضتها للنظام, إلا إنها غير مطلّعة على تجارب كثيرة, وتعد فقيرة بإجمالها. والتغيير الذي حدث في 2003 بعده بانت تباشير تشّكل الوعي السياسي العراقي, إذ تكون ذلك الوعي مفردات ومفاهيم كثيرة, أهمها: الأحزاب المعبرة عن التعددية, والإنتخابات, وحتى الصراعات المذهبية والعرقية التي تعد نتائج لإسباب مكتومة لسنوات وعقود طويلة. ومن هنا, فإن ذلك الوعي, رغم تشكّله, بيد إنه بقيّ قاصراً لعدم قطعه المراحل الموجبة للنضوج, وعلى سبيل المثال, فالتاريخ يدخل في ذلك الوعي عنصراً أساسيا أو هو العمود الفقري منه, وهو مقطوع, وأغلب الفئات الشعبية تجهل صفحات مهمة وكثيرة من ذلك التاريخ. ناهيك عن غياب الطبقة الوسطى وتأثيرها المنعدم في الساحة السياسية العراقية, وإحداث التحولات النوعية في المجتمعات.
هذه العوامل, وعوامل أخرى, أدت إلى عدم تقبّل فكرة تغيير نمط النظام وتحديثه, في عراق مابعد التغيير!. إذ إن القواعد والسلوكيات لم تبتعد كثيراً عن النظام البائد, ولعل من أسباب القمع المصاحب لذلك النظام,
https://telegram.me/buratha