كاظم الخطيب
حكومة هلامية، وبرلمان بانورامي، ودستور ملغوم، وسياسيون طائفيون، وغياب وطني، وحضور إقليمي ودولي، وأجنداة متباينة متفاوتة متناحرة، تعصف بذهنية عطشى، لصحوة ضمير، وسراج منير، وقائد محنك خبير.
بيئة سياسية موبوءة بذلك كله؛ لا يمكن أن تشهد منظراً إيجابياً، ولا تلاحماً وطنياً، ولا بناءً جوهرياً، ولا جيشاً عقائدياً.. تلك هي بيئة العراق اليوم.
بيئة من التنافر، والتناحر، والتحزب، وتخوين الآخر، والإستئثار بالمناصب والسعي وراء المكاسب على حساب المبادئ والقيم والتفريط بحقوق عامة الشعب.
مما أفرز حكومة متشظية، بقرارات طائشة، وتصورات مريضة، أفضت إلى ممارسات خطيرة، من خلال إرتباط رأس الحكومة وعميدها، بالعناصر البعثية، التي قامت وبشكل تدريجي، بتشكيل نخبة عسكرية إضطلعت بالوظيفة الأمنية، وإحتكرت القرار الميداني، وتحكمت بالجهد الإستخباري.
كانت تلك النخبة تهدف إلى إحكام قبضتها على قمة الهرم السياسي، وصولجان السلطان العسكري؛ فعمدت إلى تجريده من نقاط قوته، وإقناعه بأن ذلك هو عين الصواب.
فأوحت إليه بالإنقلاب على شركاءه السياسيين، وحلفاءه الستراتيجيين، وزينت له ضرب المرجعية ، ومحاصرتها، والحد من دورها، وإعتبارها منظمة مجتمع مدني، فكان ذلك أول الهجوم الداعشي على العراق، والذي كانت خطوته الأولى هي تجريد الحكومة من نقاط قوتها، وخلق الفجوة بين المواطن وبين أداءه العسكري والجهادي، تجاه دينه ووطنه.
عندما توهمت الخلايا البعثية المريضة، بأنها قد نجحت في تحقيق أهدافها، وأنها باتت تتحكم في المفاصل العسكرية والسياسية للدولة، أماطت اللثام ، فظهر ذلك الوجه القبيح، وبحركة غدر- كما هو شأنها دائماً- مستعينة بالخونة المتواطئين، والنواصب التكفيريين، بإحتلال الموصل، وتسليط القتلة والمجرمين، من مجاهدي الشهوات الثلاث- القتل، والأكل، والنكاح- غير مكترثين لشرف المخدرات، ولا للأرواح والممتلكات.
إستطاع البعثداعشيون بتلك الحركة الغادرة من مفاجئة الحكومة، التي وجدت نفسها عاجزة مذهولة، لا تملك من الأمر شيئاً.. فلا حلفاءً تهب لنصرتها، ولا جيشاً يخوض معركتها، ولا شعباً يهبها ثقته، فضلاَ عن روحه ودمه.
عصفت في البلاد ريح من الخوف والدهشة والترقب لما ستؤول إليه الأمور، بعد ورود أنباء عن إنكسار الجيش، وتخاذل القادة العسكريين، وتقدم فلول داعش، وإعلان زنديقهم الأكبر أبو بكر البغدادي بأنهم لن يتوقفوا؛ حتى يصلوا الى كربلاء والنجف.
عجزت القيادات السياسية والعسكرية عن إتخاذ قرار واضح، كما عجزت جميع الأمور المادية التي تفتقر إلى تسديد وعون الباري عز وجل- وإذا بصاحب التأييد، وولي التسديد، والفكر الرشيد، يفجر بركان صمته، ويسمع العالمين هدير صوته.
نعم.. فإنها بيضة الإسلام، وهو المعني في الحفاظ عليها، والذود عنها، حتى يسلم الأمانة إلى أهلها، لقد كان قراراً صريحاً، في الزمان والمكان الصحيحين، والذي دعى فيه حبر الأمة، ونائب الأئمة،إلى الجهاد الكفائي وحمل السلاح ، لمساندة الجيش، ومقاتلة النواصب التكفيرين، والذود عن الحرمات، وحفظ أمن البلاد، وسلامة أرواح العباد.
فإنقلبت الهزيمة نصراً، وإستحال الذل عزاً، وهتف الشعب كل الشعب لبيك ياعراق، فرقابنا لك جسرا، ولن نخالف للمرجعية أمرا، وسنذيق أعداءك مرا،فإن بعد العسر يسرا، إن بعد العسر يسرا.
رجل بهذا القدر من الحكمة، وبهذه الدرجة من القوة، وبهذه المنزلة من القلوب، لهو ثروة يفتقر إليها كثير من الشعوب.
https://telegram.me/buratha