حميد الموسوي
تسارع العملية السياسية يشير إلى أن معظم الأطراف الفاعلة في العملية متجهون إلى عدم إضاعة الوقت أكثر من اللازم في مجادلات ونقاشات لا تأتي بجديد ولا تفضي الى حل، خاصة وأن تلك الأطراف متفقة على كثير من الأمور الرئيسة. وإذا كانت هناك خلافات قليلة فلا تخرج عن الآليات التي ستُدار بها العملية السياسية وليس في الأفكار الأساسية ذاتها، حيث أن الجميع متفقون على ضرورة إشتراك الحركات الفاعلة في تشكيل البرلمان المقبل والحكومة الدستورية بهدف توسيع العملية السياسية لتشمل مساحةً أكبر وتستوعب قطاعات أكثر من المجتمع العراقي بأطيافه المتعددة.
فالوحدة الوطنية مطلوبة وخاصة في هذا الظرف الراهن، ويجب ان تتم من خلال القوى الممثلة للشعب والتي منحها ثقته للوصول الى البرلمان في ثلاثة كرنفالات إنتخابية جرت في أخطر وأصعب الظروف وأشدها حساسية وأعظمها تضحية.
أن الرجوع الى البرامج والشعارات الإنتخابية التي رفعتها الحركات والإئتلافات المتنافسة، وما وعدت به من حرص على خدمة الشعب وإعادة بناء العراق يحتم على تلك الحركات نكران ذات وخفض لسقف المطالب الى ما يتناسب والثوابت الديمقراطية. وهذا يحدد ويؤشر حالة حضارية، كما أنه تعبير عن شعور وطني عالي إذ لا تتحدد خدمة وإعمار الوطن فقط بالعديد من المقاعد البرلمانية، ولا بكثرة الوزارات، فعدم الإشتراك في البرلمان أو الحكومة لا يعني عدم المساهمة في بناء العراق.
ولا يعني فشل المكون السياسي أو مصادرة إستحقاقه، مثلما أنه ليس من حق أحد ولا باستطاعة كائن من كان الرجوع بالعملية السياسية الى الوراء أو إفشال منجزاتها، فسيكون معنى ذلك الإنفلات والفوضى السياسية وضياع الضوابط التي تحكم العملية السياسية. في حين يشهد العالم كله لعملية التغيير بوجود رؤية واضحة وحركة واعية رسمت معالم العراق الجديد، وقدمت تضحيات كبيرة لتحقيق هذا الأمر. ولما كان جميع العراقيين يصرون على أن وضع العراق الحالي لا يحتمل التأخير والمماطلة في تشكيل الحكومة وأن عليها من المهام الجسام الشيء الكثير والشعب ينتظر منها الكثير لتعويض ما فاته من سني القهر والإضطهاد، وما أعقبها من أعمال الإرهاب والذبح والتفخيخ والخراب، والنهوض بهذا الواقع المؤلم والذي مضى عليه أكثر من ثلاثين شهراً، فأن الشعور الوطني يتطلب الإسهام الحقيقي الجاد في الإسراع بتشكيل البرلمان وإعلان الحكومة لتمارس تكليفها القانوني والوطني. وأن أي محاولة إعاقة أو ضغوط لتمييع العملية إهتزاز واضح في مجمل الثوابت الوطنية وإحباط لأماني هذا الشعب الصابر.
أن المهمات الرئيسة التي تنتظر الجميع في المرحلة الراهنة، والمحطات المستقبلية تتمثل بالعمل المتواصل المبني على الإخلاص والنزاهة في سبيل النهوض بالعملية السياسية وإرساء قواعد الديمقراطية، وخلق الأجواء والمناخات التي تخدم هذه الجماهير المظلومة من أجل الوصول الى أهدافها المنشودة، وإرساء قواعد دولة العدل والقانون والحرية والتخلص من كل أشكال النفوذ الخارجي. وهذا لا يتم إلا بالجهود النزيهة والإبتعاد عن حوارات التعصب والتشنج اللاواعي الذي يخلق أجواء منحرفة تؤخر المهام الوطنية وتعرقل مسيرة البناء والإعمار وإصلاح الخراب ومعالجة تركة الماضي المقيت. أن حصر الإخلاص والوطنية والحرص في جبهة معينة أو فئة محددة، أو وضع مقاييس للإخلاص في آراء محددة، ومنطلقات متفردة، ومواقف آنية لا تعبأ بآراء ومنطلقات الآخرين، ولا تؤمن بوجود المغاير- يخلق حالة من الإختناق والتوتر ويثير الحساسيات المفرطة بين الجميع. ويصدع جدار الوحدة الوطنية تاركاً ثغرات وفجوات لولوج القوى المعادية لتخريب العملية برمتها. ومن هنا يتوجب على الأطياف السياسية بكل توجهاتها ان تضبط خط توازنها لاغيةً الإنسياق وراء المصالح الضيقة، مدفوعة بحب جماهيرها- نحو الإتجاه الصحيح لمسار الديمقراطية، حذرةً من السقوط في متاهات الفرقة المظلمة.
ومن المؤاخذات التي سجلت على مجلس النواب العراقي في دورتيه الماضيتين افتقاره لروح المنافسة والمعارضة الديمقراطية بحيث فقد فعاليته في الكثير من المستويات وعليه فأن النكوص والتردي في الجوانب الأمنية والخدمية لا يلقى على كاهل الحكومة وحدها ولا يلقى اللوم على دوائر الدولة فقط وأنما على المواطن ايضا
https://telegram.me/buratha