عمارطلال
* مفسدون يطالبون بمسامحتهم عند ثبوت الفساد عليهم.. كم هو بشع مجتمع يتحول فيه الباطل الى حق مكتسب
* عادت الحمامة وفي منقارها ورقة زيتون فتفاءل نوح خيرا
عمار طلال*
مضت دورتان انتخابيتان، شكلتا مجسين عمليين لتشخيص مواطن الخلل والاجادة والوفورات الممكنة والشحة الكامنة، في الإدارتين السياسية والإقتصادية للعراق، ما يمكن اية حكومة ثالثة، من التواصل مع حسنات التجربتين الماضيتين وأخطائهما.
تنقية العراق اقتصاديا من عوالق الماضي، حري به، ان يجعله بلدا ذا قوة مالية ترتقي فوق المعضلات.. ناضج الأداء ومكتمل العزيمة.. ناجز الخطط بوعي عملي مرن.
لذا أتمنى على التشكيلة الوزارية المقبلة، حال أدائها اليمين الدستورية، أن تؤلف مكتبا استشاريا، يضم ما بين خمسة عشر وخمسة وعشرين إقتصادياً.. محترفين وأكاديميين.. من المدركين لحجم المسؤولية.. الزاهدين بمغرياتها؛ يضعون خطة لخمسين عاما، قائمة على استثمار الوفورات وسد الثغرات، بما يعود على البلد بالمنفعة في الحالتين.
وتلك مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة على الاقتصاديين الذين يتحدون المعجزات بعلمية نزيهة، مستندين الى صلاحيات واسعة، يتعاطون معها بثقة معصومة من الفساد.
فالعراق ذو ثروات خرافية، بكل اتجاه، قادرة على تحقيق المعجزات، بعصى سحرية...
اللجنة الإقتصادية
ينتدب الاستشاريون الاقتصاديون مجموعة من التنفيذيين لخطة الخمسين عاما، بمعرفتهم واشرافهم، يقومون الزلل ويعمقون الإجادة أثناء العمل، ومن يرونه متواطئا مع مصالحه، على حساب الامانة الموكلة به، يقصونه، من دون مساومة.
وهي خطة ركائزها ثلاث أثاف ينضج فوقها الاقتصاد على نار هادئة: قطاع حكومي قوي يناظره قطاع اهلي واسع، بينهما قطاع تعاوني مرن، يقيل عثرات القطاعين الآخرين ويدعم نقاط قوتهما، لأنه كالولد الشاطر بين امه وابيه.. نتاج كليهما، وكما يقول المجتمع "أبننا يلملم شيخوختنا".
انها أمنية، تراد بها انطلاقة اقتصادية ترصن مستقبل بلد ثري كالعراق، لا يبقى فيه فقير، عندما نستثمر اقتصادنا الى أقصاه، بشكل عملي واع وحكيم، لكن الخوف.. كل الخوف، من "خالتي وبت خالتي" ويحال تطبيق التشريعات الخيّرة، الى أناس أشرار؛ إستناداً الى محسوبيات ومنسوبيات...
فالآية 17 من سورة البقرة في القرآن الكريم، تقول: "اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين".
وإذا تسلم "اولئك" مقاليد الإقتصاد؛ فسيخسرون ويخسروننا تبعا لهم.. ماديا ومعنويا؛ فكلمة "مهتدون" التي نفاها الله، في هذا الموضع من محكم كتابه المبين "وما كانوا مهتدين" ذات معنيين ديني ومادي، كلاهما يلتقيان عند خسارة "شراة الضلالة بالهدى" انهم خاسرون مرتين.. دنيا وآخرة.
غصن زيتون
فلنخطط لإقتصاد نستعين عليه بصالح أهل المهنة، كما يقول الحديث النبوي الشريف: "إستعينوا على كل مهنة بصالح أهلها" وليس سيء أهلها.
تضافرا مع حكمة مرثد الخير.. قبل الاسلام: "لا توقظوا عقل الشوارد" وكلمة "عقل" هي الاخرى ذات معنيين، ربما جمع "عقلة" اي الرباط الدائري الذي تغل به ركبة الجمل الشارد؛ كي يسيطر عليه، من الهستيريا التي ركبته، الى ان يذبح في الوقت المناسب، لأنه لن تعد جدوى من بقائه حيا للأستخدام التقليدي، وإذا انفلت قبل ذلك، فإنه يحطم كل ما حوله، ثم يلوذ بمجاهل الصحراء.
والمعنى الثاني الايقاظ المعروف لعقول اعتادت عزلة البراري، ولم تدجن، كـ "قطاع الطرق" وأمثالهما، ممن في وقتنا الراهن، عاشوا في دول العالم، على النصب والاحتيال والايقاع بالمغتربين، وعادوا بعد 9 نيسان 2003، يدعون انهم كانوا مناضلين.. وحررونا من النظام السابق، بينما كانوا يتقاضون رواتب من صدام حسين، نظير زرعهم جواسيس وسط المعارضة الحقيقية.
يطالبون الان بمستحقاتهم عن رفاه العيش في الخارج طيلة العقود الماضية، وحقهم بمسامحتهم عند ثبوت الفساد عليهم.. كم هو بشع مجتمع يتحول فيه الباطل الى حق مكتسب.
إن اقتصادنا الثرثار بحاجة الى إدارة رشيدة، فلتحذر التشكيلة الوزارية، تسلل المفسدين.. ثالثة، الى برامج عملها، أما التخطيط والتنفيذ بنزاهة، رغم الجهد الكبير الذي يتطلبه، فهو يسير، إذا توفرت النوايا الجادة والمخلصة والمتفانية بنزاهة، أجد الجميع أهلاً لها إن شاء الله.
فبعد ان ذهب الغراب.. ولم يعد، والبوم.. وانقطع نعيبه، جاءت الآية التوراتية 11 من سفر التكوين: "فعادت اليه الحمامة وقت العشاء، وفي منقارها ورقة زيتون خضراء؛ فعلم نوح ان المياه جفت عن الارض" نسجا على نول الآية القرآنية الكريمة: "تفاءلوا بالخير تجدوه".
amar-tallal@alsumaria.tv
https://telegram.me/buratha