المقالات

من امن العقاب ... أساء الأدب واحترف الإرهاب

1663 20:48:00 2007-02-27

( بقلم : طالب الوحيلي )

ما أحوجنا لفرض القانون العراقي في كافة أنشطة حياتنا اليومية ،وقد كدنا ان ننسى ان لدينا تشريعات تكاد تكون شاملة للحياة بالرغم من تخلف بعضها او تشوهه بسبب السياسات التشريعية لحقبة حكم الطاغية صدام ،ولعل اول فعل كان ينبغي ان يفكر به الساسة المتصدون للعملية السياسية هو اعلان ثورة حضارية قوامها إعادة النظر بتلك التشريعات وإصلاح الخلل الذي وقع عليها ،لاسيما منها النصوص العقابية منها بعد ان كان هاجس الجميع هو بناء دولة القانون التي افتقدها العالم العربي عموما والعراق على وجه التخصيص ،وفي قمة ذلك وضع دستور دائم للبلاد لا يماثله أي دستور من حيث التأسيس الشعبي له ومن حيث المبادئ العامة والخاصة ،وقد تحقق ذلك ليلتئم مجلس النواب العراقي كسلطة تشريعية ديمقراطية يعتمل فيها الراي والراي الاخر بالرغم من قساوة الحوارات وتطرف بعضها ..ولعل القسم المخالف دائما هو الذي لا يرغب بسيادة القانون في البلاد لكي تبقى زمره الارهابية وحلفاؤها متمردين على النظام العام على طول الخط ،وذلك تكتيك أولئك الذين اكثروا التباكي على ماضيهم الذي لن يعود ،ليحرقوا البلاد بموجات من الجرائم الارهابية التي طالت الاخضر واليابس ،بعد ان ارتدوا جلابيب التطرف الديني ،فلو رغبت تلك القوى حقا في تخليص العراق من محنة الاحتلال الأجنبي ،لسعت الى احترام قوانيننا الوطنية ولآمنت بالدستور الدائم الذي ساهمت في كتابته ،ولكن هيهات ان تزيح عن عيونها غشاوة الحقد السياسي وتراقص صور أزلام العهد المقبور وكأنه قدرها الذي سيضل يرافقها حتى ترد الحميم !!

النصوص القانونية الجنائية والعقابية التي خلفتها العهود السابقة ،كانت كفيلة بحماية تلك الأنظمة من خطر القوى المعارضة لها ،وقد اتصفت بأقسى النظم القانونية ،ومع ذلك فقد تجاوزها النظام الصدامي الفاشستي كثيرا في قتل الأبرياء من أبناء شعبنا المظلوم حفاظا على كرسي حكمه وسلطانه الاستبدادي الدكتاتوري المفروض على معظم الشعب العراقي ،وقد ولّى الى الأبد ذلك العهد وظلمه ليترك الأمر الى الشعب الذي اختار نظامه السياسي عبر صناديق الاقتراع ،فكان حقا على الحكومة المنتخبة من قبله ان ترعى وتحمي هذا المكسب العزيز بكل ما اوتيت من قوة وسلطان دستوري برغم انف بقايا ذلك النظام الذين أعلنوا أنفسهم بسبق إصرار بأنهم القوى المعارضة لشعبنا برغم أقليتهم وانحسار قاعدتهم ،لأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم ،اما ضلوعهم بثوب الطائفية فهو تسويق لقالب جاهز يمكنهم من استجداء عطف الأنظمة العربية وشعوبها التي ساهمت كثيرا في ظلم الشعب العراقي بكافة مذاهبه المتوحدة عرفيا واجتماعيا ووطنيا.

ومعروف من وقف خلف تمييع سلطة القانون وسيادته ،ولماذا هذا الانفلات الأمني الذي ما كان ليقع لولا الأخطاء التكتيكية التي وقعت يها قوات الاحتلال او القوى المتعددة الجنسيات التي فرضتها قرارات مجلس الأمن الدولي ،لتشعر الإدارة الأمريكية بعظم الخطأ الذي اكتنف مشروعها الذي أرادت ان تجعله انموذجا لشعوب المنطقة ،ولسنا بصدد ما اذا كان ذلك خطأ عفويا او مدروسا بدوافع سياسية الغرض منه التصرف بازدواجية غير منصفة ازاء مصير الشعب والمشروع الانساني للقوى المتصدية فعلا للعملية السياسية منذ سقوط النظام البائد ولحد الآن، بالرغم من ان هذا المشروع قد لوح بالكثير من التطمينات الديمقراطية واحتضان المجتمع العراقي دون تميز او تهميش، والانفتاح على العالم على وفق سياسة متحضرة وجدت صداها منذ اول ظهور للحكومة العراقية على الساحة الدولية بعد سقوط الطاغية...

اشد ما تخلف في واقع الاحداث خلال هذه المرحلة التأسيسية لدولة القانون ،هو القانون والقضاء مع الأسف الشديد ،بل لا أكون ظالما لو قلت ان جلسات مجلس النواب تفضح الكثير من هذا التخلف ،في الوقت الذي مازال الكثير من المتحدثين باسم القانون لا يميزون بين مفهومي إلقاء القبض على المتهم او اعتقاله ،وقد تصوروا الأمر مجرد اجتهاد لغوي في الوقت الذي لا يعرف فيه القضاء العراقي هذه المفردة ،اما إلقاء القبض فهو قرار قضائي يصدر عن سلطة قضائية على وفق الأصول ،فيما يتحول الاستقدام لأكثر من مرتين الى إلقاء قبض مهما كان سبب ذلك الاستقدام !!في حين تحول أعضاء الكتل الصغيرة في البرلمان من مشرعين الى مجرد معرقلين لكل إجراء قانوني صحيح ،وتحولت رقابتهم الشعبية الى درع لصد أي موقف مدين للجرائم الإرهابية ،ساعين الى جعل قبة البرلمان مجرد حلبة للصراع الطائفي والجدل الافلاطوني !مما يصعب مهمة مجلس النواب في الايفاء بالتزاماته وسط ساحة كبيرة من المتطلبات التشريعية وفي البحث عن الوسائل المنطقية لتقريب وجهات النظر المختلفة ولبلورة خطاب مدعوم بالثقة المتبادلة من الجميع ،فيما جلس البعض متفرجا متندرا على ما يجري وكأنه ليس بطرف في العملية السياسية دون التورع عن الكيل بمكيال رخيص عبر القنوات الفضائية التي أفلست في الساحة العراقية لتصطاده في فنادق دول الجوار الفارهة..

عبر كل هذا الخضم انبثقت خطة فرض القانون وهي تستحق هذه التسمية بما حشد لها من دعم شعبي وإقليمي ودولي ،وبما تتضافر له من جهود بدأت تظهر للعيان عبر خطوط متوازية من الإسناد الإعلامي والسياسي والترحيب من قبل بعض الذين شككوا في بادئ الامر من عدالتها بالرغم من ان الارهاب قد طال كل مكونات شعبنا وقد غدت بعض المناطق التي سادت بها البؤر التكفيرية إمارات ظلامية لم تميز بين طائفة او اخرى لكون الجميع كان هدفها ماداموا لا يدينون بعقيدته التكفيرية الصدامية .أحياء شعبية تجانس فيها المجتمع منذ عقود من الزمن وتجاوروا وتصاهروا وتآخوا،لتجتاحهم حملة الحقد التكفيري فتهجر البعض وتقتل وتذبح وتستفز عبر عناوين غريبة بريء منها المواطن العراقي وبريئة المذاهب والمرجعيات الدينية التي اعلنت ومنذ سقوط الطاغية حرمة الدم العراقي وحرمة مال المسلم وعرضه وكانت اجلى تلك الدعوات حين تقع الكوارث الإرهابية التي يمكن ان تشعل الفتن او تثير ردود الأفعال الشديدة..وتلك ركيزة من ركائز إعلان خطة فرض القانون الذي لابد له ان يكون المرجع الاول في سيادة النظام لانه الوحيد الذي يمتلك قوة الردع والعقاب ،ومن امن العقاب أساء الأدب ،بل وان إساءة الأدب تعد قليلة ازاء القتل اليومي وانتهاك حرمات الناس .

قانون العقوبات العراقي ذي الرقم 169 لسنة 1970 النافذ حاليا بكل نصوصه العقابية الا ما عطلت من قبل الحاكم المدني عام 2003 ،وتلك النصوص من الحزم والشدة كانت مدعاة للتعديل والتخفيف ،لكونها قاسية ،لكن التكفيريين والصداميين وحلفائهم بسبب تماديهم بهدر دم العراقيين وهتك امن البلاد واشاعة الفوضى والفساد الاداري ،قد سوغوا للمواطن العراقي المبتلى الرغبة في مطالبة حكومته المنتخبة من قبله، بتشديد العقوبات والدعوة الى إعلان الأحكام العرفية ،بعد ان وجدوا في قانون السلامة الوطنية ما لا يناسب واقع الانفلات الأمني وزخم الكوارث الجرمية ،وقد تنازل للقضاء العراقي عن حقه في القصاص عبر تفويضه الدستوري ،لكن القضاء وقف عاجزا أمام تجذر النشاط الجرمي وضعف سلطات الضبط القضائي ..

خطة فرض القانون سوف تكون المكمل لسلطة القضاء العراقي الذي ينبغي له ان يعبئ كل طاقاته ويستنفر كل إمكانياته ويكون خطوة بخطوة مع قوات الأمن ،فيما ينبغي ان يكون الادعاء العام الحاضر الأول في هذه الخطة لانه صاحب الشأن الأهم في تبني مسؤولية الدفاع عن النظام العام لانه وبمختصر العبارة ممثل الحق العام .التدابير الاحترازية التي تشكل القاعدة الصلبة لإستراتيجية الخطة التي اعلن عن انها سوف تستمر حتى تنتهي كافة مظاهر الانفلات الامني ،فلنا معها وقفة اخرى...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك