( بقلم : علي حسين علي )
يبدو أن مقترح الأمين العام للأمم المتحدة المنصرف بعقد مؤتمر دولي حول العراق كان مفاجئاً للرأي العام الدولي لما انطوى عليه من عدم إدراك لواقع الحال في العراق أولاً، فضلاً عن اخلاله بأهم مواثيق الشرعية الدولية ثانياً، اضافة الى جهل من رجل مسؤول يقود منظمة دولية مهمتها الاولى تثبيت السلم والاستقرار والحفاظ على الاستقلال وسيادة الشعوب ثالثاً..فالأمين العام كوفي عنان لا يفهم مقترحه الأخير إلا في نطاق عدم المسؤولية، وهو ما لا يعرف عن عنان خلال سنوات ولايته للامانة العامة للأمم المتحدة والتي ستصل الى نهايتها بنهاية هذا العام.
كوفي عنان يقترح مؤتمراً دولياً لمناقشة وايجاد الحلول لمشكلة العراق ولعل هذا الخطأ القاتل في مقترحه، فمشكلة العراق داخلية بحتة، ولو كانت للعراق مشاكل مع دول الجوار أو أي دولة آخرى لكان المقترح معقولاً وربما مطلوباً أيضاً، ولعل عنان في هذه الحالة يستحق الاطراء والاشادة! لكن والحال أن المشكلة داخلية فإننا لا نجد مسوغاً قانونياً واحداً يستند إليه الأمين المنصرف أو يعتمد عليه أساساً لاطلاق مقترحه.
لقد رفض العراقيون هذا المقترح جملة وتفصيلا، وجاء هذا الرفض القاطع والواعي أيضاً على لسان زعيم الائتلاف العراقي الموحد السيد عبد العزيز الحكيم الذي جاء في رده : (انه ليس من المعقول أن تصادر قضايا الشعب العراقي في مؤتمرات دولية تتعلق بمصيره، وان هناك عملية سياسية في البلاد، وأن الحكومة الحالية هي أقوى الحكومات في الشرق الاوسط وتشكلت على اساس الشراكة وهي تمتلك قاعدة مليونية، وبالتالي نحن نجد الحل في بغداد وأن أية اشارة الى حكومة بديلة هو شيء غير منطقي وغير مقبول).
ولا يحتاج عنان الى غير هذا الرد المقنع والواضح والمدعوم بشرعية السيادة العراقية، فالحل في بغداد، وليس في أي مكان أخر، وجميع مكونات الشعب العراقي ممثلة في برلمان انتخبه أثني عشر مليون مواطن، والحكومة ثمرة هذا البرلمان..فلماذا يتغافل عنان عن كل هذه الحقائق ويذهب بعيداً عن الواقع؟ لن نسيء الظن بعنان فقد عرف عنه حرصه ودقته في اداء واجبه، فضلاً عن ذلك فهو رجل قانون ومتخصص في القانون الدولي..ولكننا لا نعرف مبررات تلك الدعوة التي جاءت وكأنها طلقة طائشة في فضاء لا حدود له! فالسيد عنان يعرف قبل غيره من خلال وجوده أميناً عاماً للأمم المتحدة ومن قبلها ممثلاً لبلاده فيها، بأن المؤتمرات الدولية لن تحل أية مشكلة بين دولتين أو أكثر، وأن المؤتمرات الدولية هي الوسيلة الناجعة لتضييع حقوق الشعوب أو وضعها في منطقة متجمدة..والشواهد على ذلك لا عد لها ولا حصر لها..فكيف يريد عنان منا أن نذهب الى مؤتمر غير مجدٍ ولا صلة له بالواقع العراقي؟ وكيف يجوز لعنان-وهو القانوني-أن يرحل بمشكلة محلية صرفة الى مؤتمر دولي حتى وأن أنعقد فانه لا يملك سلطة على أي طرف من أطراف المشكلة..ولعل هناك سؤال لا نجد تفسيراً له وهو أن عنان يعرف وعلى اطلاع بأن العراق تحكمه اليوم حكومة شرعية منتخبة وممثلة لكافة مكوناته..وهي وحدها صاحبة الحق في معالجة مشاكلها مع بعض الاطراف الخارجية على الشرعية العراقية وبالطريقة التي تراها مناسبة..فلماذا ينقل عنان مشكلة محلية الى دولية دون أن تطلب منه الحكومة الشرعية ذلك؟ ومن اعطاه حقاً ان يضع شرعية الحكومة في قبالة عدم شرعية الطرف الأخر الارهابي الذي ربما لا يفرق عنان بينه وبين ما يسمى بـ(المقاومة)؟!.
قلنا في البداية، اننا لا نشك في سلام نوايا عنان، ولا في حرصه على العراق، ولكن هذا المقترح كان يمكن أن يكون مقبولاً ومعقولاً قبل أن تجري الانتخابات الاولى ويستفتي الشعب العراقي على الدستور الدائم وكذلك تجري الانتخابات الثانية ويختار البرلمان الحكومة الحالية..كل ذلك قد ألغى أي مبرر لعنان لاطلاق مقترحه..فضلاً عن ذلك فان العراق وفي هذا الوقت الذي دعا فيه عنان الى مؤتمر دولي قد توصل الى تفاهمات مع معظم جيرانه، مع إيران من خلال زيارة رئيس الجمهورية والاخيرة وما سبقتها من لقاءات عديدة، ومع سورية حين توطدت العلاقات وتحسنت بين البلدين أثر زيارة وزير خارجيتها وما تمخض عنها من اتفاقات سياسية وأمنية وما أظهره السوريون من حرص على أمن العراق..ومع الأردن الذي زاره زعيم الائتلاف مؤخراً ولقائه بملكها ورئيس وزرائها وكبار المسؤولين فيها وقد تمحورت زيارة السيد الحكيم على ترسيخ العلاقات وتطويرها لمصلحة الشعبين وقد تزامنت زيارته تلك مع زيارة رئيس الوزراء لعمان للقاء الرئيس الأمريكي بوش ثم لقاء الملك الاردني عبد الله ورئيس وزرائه أيضاً..ولعل لقاء رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بالرئيس الأمريكي في عمان كان مثمراً وإيجابياً من ناحية وضع الحلول لمعظم المشكلة الأمنية والدعم الكامل لسياسة الحكومة الحالية وتقديم ما تحتاجه مما يقوي أجهزتها الأمنية ويساعد على انجاز المصالحة الوطنية.إذن، كان مقترح عنان في غير وقته، والمكان الذي يصلح لإصلاح أوضاع العراق هو في بغداد عاصمته..وليس في أي مكان أخر.
https://telegram.me/buratha