بقلم : حيدر الاسدي
هل هي أزمة كهرباء ... أم موت ضمير يا حكومة ... .!؟ــــــــــــــــلا أكتب عندما أكتب ثأرا ً من أحد أو أنتقاما ً من مكــّون سياسي على حساب مكــّون سياسي آخر . فمن منن الله علي ّ أني لم و لن أنتمي لحزب . ربما يجد البعض في العنوان خروجا ً عن اللياقة الأدبية ، و يرى آخر أنني ا ُسئ إستخدام الحرية متصّورا ً أنني من الهمج الرعاع لا أضع موازينا ً للأدب. فإني لا أجد في عنواني ضيرا ً و كما قال الرسول الأكرم محمد ص :إن لصاحب الحق مقالا .فقد جعل لدي الحافز في أن أقول ما عايشته بنفسي من مأساة كتمتها لأكثر من سنة لأني لم أجد الوقت المناسب إلا ّ الآن لأني قد أبدو متفائلا ً لعل مسؤولا ً في الحكومة المقبلة وضع ضميره نصب عينيه و خاف الله و لو قليلا ً. بدلا ً من سوق الخطابات الرنانة و كلمات اللغز المحّير التي لا تجد لها حلا ً إلا أن ترجع الى إبن منظور في لسان العرب ، أو المنجد لـ لويس معلوف .بعد هذه المقدمة أضع بين يدي قارئي الكريم معاناتي وهو الحكم الفصل . و تتلخصّ فيما يلي :بعد معاناة إبنتي ذات السبعة و العشرين ربيعا ً و مصارعتها للسرطان لسنة كاملة و علاجها في أرقى المستشفيات التخصصية في اُوربا ــ الدنمارك ــ شاءت إرادة الباري عز وجل أن يسترجع الأمانة فتوفيت يوم الإثنين ــ 24 ــ من شهر رمضان المبارك سنة 1430 هجرية الموافق 14 / 9 / 2009 م .و تركت وراءها أطفالا ً ثلاثة .و كما هو حال الروتين في معاملات نقل الجثمان الى بلد المتوفى إن رغب في ذلك .حيث تحتاج إجراءآت الوضع في الثلاجة و وضع مواد حافظة للجثمان من التفسخ أو الرائحة والذي يكلف مع مساعدة الدائرة المختصة ما يقارب من ( ستة آلاف دولار ) .وهنا بدأ المعاناة حيث إن أصحاب الدخل المحدود يجعلهم بين نارين: إما الدفن في مقابر المسلمين في الخارج مع ما فيها من سلبيات لسنا بصددها .: أو الحرج الشديد في تهيئة النقل الى الوطن الام . و قد قرأنا على شبكات الأنترنيت و نشرات الصحف أن الحكومة العراقية وبقرار من دولة رئيس الوزراء تكفلت بنقل جثامين أبناء الوطن الى تراب و طنهم . و الظاهر أن هذا القرار هو و كما يقال : ذر الرماد في العيون .أو من باب : أواعدك بالوعد و أسگيك يا كمون .و لم ا ُصّدقه ــ خبر النقل ـــ شخصيا ً لكثرة المواعيد الكاذبة التي لم يف بها مسؤول بعدما تقرأ في المقال التالي من وعد وزير النقل و كنت قد قلت له مسبقا ً أنني لا أجد بصيص أمل فيما تقولونه .مضافا ً الى أبسط الخدمات و هي مأساة السجين السياسي و الشهيد إذ لم يحصلوا على أدنى مستوى للعيش بكرامة في وطنهم الام العراق !فكيف بأهل المتوفى وهم يعيشون الحياة المرفهة بظن الكثيرين من الناقمين على كل من في الخارج .ناسين أو متناسين أن من لم يكن لديه عمل في الخارج يعيش كما يعيش في داخل العراق من لم يكن منتميا ً الى جمعية ( الحواسم ، إو الرفاق من أعضاء حزب البعث من درجة عضو شعبة فما فوق ، أو رجال الأمن من فدائيي سيد الشهداء صدام كما يحلو لهم أن يسمونه ) . حيث أنهم اُعيد لهم إعتبار الخدمة حتى لأغراض التقاعد لأنهم كانوا يؤمنون بفكرة : يا محله النصر بعون الله .و فعلا ً نصرهم الله في أيام ما نسميها نحن بــ الدكتاتورية ، و الآن يعيشون الحياة الكريمة في ظل حكومة أبناء الشهداء و المقابر الجماعية . و على كل حال تم نقل الجثمان على متن الطائرة التركية يوم الجمعة 28 / رمضان . و قد صحبت الجثمان أنا و ولدي و كان إفطارنا في الجو .وصلنا مطار أنقرة و بقينا فترة ( الترانزيت ) و التى دامت خمس ساعات نظرت الى جثمان فلذة كبدي و قد ا ُنزل من الطائرة الى الثلاجة في المطار .و بعد فترة الترانزيت أقلعت الطائرة في الساعة الثانية بعد منتصف الليل و وصلنا الى مطار بغداد الدولي المشؤم . و ليتني و أقولها بصدق ما وصلت و تمنيت أني لو كنت مكانها .فقد بدأت المصيبة التي لم أكن أتصورها .حيث أن الجثمان وضع في ( جملون شحن البضائع ) في المطار .حاله حال البضائع المستوردة من سلع و مواد غذائية و أجبان و غيرها .و لتقف قارئي الكريم على الصورة المأساوية . حيث أن الجثمان مضافا ً الى وضعه في( كيس نايلون ) مع المواد الحافظة قد وضع في تابوت من ( الصفيح ــ الچينكو ) داخل تابوت من الخشب و درجة الحرارة الشديدة .و بقيت أركض بين سيارات التاكسي في المطار التي لم تنقلني الى ( قاعة الشحن ) لأني لا أحمل العملة العراقية بل كانت معي عملة ( الدولار ).فقد طلب سائق التكسي وقتها ( 40000 ) دينار عراقي لإدارة المطار ، و ( 20000 ) مبلغا ً آخر للكراج ، و آخر. و هرولت الى ( جملون الشحن ) فوجدت ولدي و قد تورمت عيناه من البكاء تصّورت بادئ الأمر أنه يبكي فراق شقيقته .و لكن الأمر كان في غاية البشاعة و الحقارة و النذالة في ( جملون الشحن ) إذ أنها تركت على الأرضية تحت حرارة الجملون مع البضائع الواردة التي انزلت من متن الطائرة .و هنا جـّن جنوني حيث أني قد أمضيت أياماً لم أذق طعم النوم و صائما ً.فبقيت أصرخ بأعلى صوتي في المطار :قرت عينك صدام في حكومتنا الرشيدة التي لم تعر إهتماما ً لأبنائها و لم تقم وزنا ً حتى لموتاهم .و بدأت بلعن كبار المسؤولين .فحضر عندي أحد رجال أمن المطار و قال :حاج خذ راحتك فالكل حرامية و بلا ضمير .و جزاه الله خيرا ً حيث أحضر سيارته و نقلني الى ( صالة الشحن ).وكانت الإجراآت الروتينية التي تعودّنا عليها في عراق الدكتاتور قد إزدادت تعقيداً إذا ضممت إليها الرشوة و اللامبالاة إذا كان حالهم مثل حالي ( ليس لي إلا الله ) .إذ إستغرقت المعاملة من الساعة السادسة و الربع الى الساعة الثامنة و النصف صباحا ً .والحقيقة إن شرّ البلية ما يضحك ، حيث إنك تصعد الى الطابق الثاني لتوقيع موظف ثم تنزل الى الطابق الأرضي لتوقيع آخر و عندما تدخل تجد صاحب السعادة السيد الموظف وهو مشغول بالحديث بـ ( هاتف الموبايل ) أو جلسة سمر مع موظف آخر . و أسخف ما رأيته هو أن أحد الموظفين عندما قرأ الوثائق الدنماركية سأل زميله :الجهة المصدرة .
و هنا صاح به رفيق الدرب : هل هي بضاعة حتى تحتاج الى المصدر .! و هنا اُصبت بذهول و لم اعرف كيف أتصرف و أتحدث معه . و إنتهى الروتين القاتل حتى جاء دور ( الفاضلة المناضلة صاحبة الجلالة الدكتورة ) التي أحالتني الى أحد الغرف لإجراءآت ا ُخرى فوجدت الموظفات وبيد كل واحدة ( جهاز الموبايل ) وهن يرسلن الرسائل و يستقبلنها وهن يضحكن . ثم أرسلت الدكتورة عامل التنظيف ليفتح الجثمان للكشف عليه فصرخت به هل أنتم أغبياء الى هذه الدرجة لأفتح لك التابوت .فقال : يلزم أن أفحص ما في التابوت فضحكت لشدة البلية و قلت له :ويلك هل في التابوت متفجرات و تجاوزت المطارات في الدنمارك و تركيا .و كان الجثمان قد وضع على سقف السيارة تحت حرارة الشمس المباشرة .ثم هرولت مسرعاً الى الدكتورة و صرخت بها :ألا تفهمين قراءة الوثائق الموقعة وهي باللغة الإنجليزية و فيها جميع ما تطلبين .ألا تخافون الله ؟و أخيرا ً خرجنا من المطار و بدأ مأساة التفتيش و الأجهزة الغبية ( السونار ) التي إستوردها أحد ( الحرامية في صفقة وصلت قيمتها إلى 85 مليون دولار ) و المصيبة أنه يكشف فقط العطر .و بما أن الجثمان كان قد ا ُحيط بمواد حافظة فقد عانينا بكل نقطة تفتيش حتى قلت لأحدهم بعد أن حاول فتح الجثمان : هل أنت عاقل و تعرف ما تقول لماذا لا تكتشفون في هذا الجهاز السيارات المفخخة و العبوات الناسفة ؟و بعد أن وصلنا المغتسل في كربلاء المقدسة و كشفنا عن الجثمان لم نتمكن من التغسيل لإنسلاخ الجلد و ظهور فقاعات و النزف الذي كان بسبب التأخير و حرارة الطقس.مما إضطرنا أن نضمّ التيمم إلى الغسل .وقد قمت بنفسي بهذه المهمة بعد أن أشار عليّ أحد الفضلاء من طلبة العلم للإطمئنان بصحة التيمم .و قد تركت هذه المهمة ألما ً لازلت أعيش لوعته ما حييت .والى مقال آخر مع وزير النقل في مطار بغداد و( ليرة غــّــوار ) التي هـّـزت الوزير و كادت أن تــُسقط الحكومة ...ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــملاحظة هامة من باب الحديث الوارد عن الإمام الرضا ع : مَن لَم يَشْكُرِ المُنعِمَ مِنَ المَخلُوقِينَ لَم يَشكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ .لابد أن أتقدم بجزيل الشكر و الإمتنان لأعضاء السفارة العراقية في كوبنهاكن ــ الدنمارك ــ لما قاموا به من تسهيل المعاملة جزاهم الله خير جزاء المحسنين ووفقهم لما يحبه ويرضاه .
https://telegram.me/buratha