قاسم العجرش
أخفق البرلمان في إنجاز مهمته الأولى المتمثلة بإنتاج حكومة ترافقه لمدة أربع سنوات هي عمر دورته ، تسير خلالها أمر العراقيين تحت رقابته خلال تلك الدورة، ولأنه لم يستطع أن يفعل شيئا ، بل لم يجتمع سوى نصف ساعة في جلسة إحتفالية ترديد القسم لبعض أعضاءه، ولأنه لم يقم بتوزيع المهام على أعضاءه، ولأنه حتى لم يتنخب هيئة رئاسة لنفسه، ولأن أعضاءه منشغلين بأمتيازاتهم الشخصية وترتيب أوضاعهم، ولأن هؤلاء الأعضاء مسلوبي الإرادة وخاضعين لهيمنة رؤساء كتلهم، ولأن عيون أغلبهم ترنو خارج الحدود الى حيث عواصم التأثير، ولأن الإرادة الشعبية لا تحظى بالإحترام من قبل السياسيين، وهم ليسوا في واردها، ولأن السلطة لها مفهوم مقلوب في أذهان الساسة، مفهوم "كم نأخذ" لا "كم نعطي"، ولأن القادة السياسيين لا يؤمنون بالديمقراطية بل بآليات الديمقراطية كوسيلة للوصول الى السلطة، ولأن السلطة مانحة لإمتيازات عظيمة، ويمكن تعظيمها ومظاعفتها أضعافا مضاعفة وربما الى مدى لاحد له، ولأن الحكومة الحالية لم تبن دولة مؤسسات بل مؤسسات حكومة تدار بأشخاص مرتبطين زمنيا بها وبوجودها، ولأن الكثيرين مستفيدين من بقاء الوضع على حاله، ولأن بعض مؤسسات الدولة عبارة عن عصابات لصوص، ولأن هناك ثغرات كبيرة في الدستور يمكن اللعب من خلالها على كل الحبال، ولأن أوجه الفساد المتعددة تظافرت فيما بينها فأنتجت فسادا جديدا تحت مسمى جديد هو الديمقراطية الفاسدة! ولأن الأمن قيد في سجل المفقودات، ولأن معظم الأطراف المشتركة في أي إئتلاف أو كتلة سياسية تعاني من تضارب أو تصادم في السياسات والآراء داخلها، وكل مكون من مكونات تلك الأطراف له رأيه ومطالبه، والكثير منهم تتغير مطالبهم في كل يوم، ومنهم من لا يعلم ما هي مطالبه! .. وفي ظل أجواء من هذا النوع ومناخات تتجاذبها الخلافات فلن تحقق عملية تشكيل وبناء الحكومة مبتغاها، لا في البداية ولا في الختام، ما لم يراجع كل طرف حساباته مع نفسه ومع مكوناته ومع القضية التي من أجلها يجمع أوراق التفاوض والحوار.... وفي سياق ما يحدث في ساحتنا السياسية نحس بأن الإرباك الناجم عن عدم تجانس تركيبة الإئتلافات والتحالفات السياسية، وعدم عمل كل منها بروح الفريق الواحد، انعكس جلياً في تصرفات وأفعال قادة مكوناتها فيما بعد التوقيع على اتفاقيات تكوين تلك الكيانات وتبادل أسماء اللجان واختيار الأسماء، ولم يخل ذلك من كيد سياسي، وهو ما انعكس على الخطوات اللاحقة، والكيد السياسي إذا أستمكن في عقلية القادة السياسيين يعتبر مشكلة كبيرة وخطيرة، وقضية تشكيل الحكومة وقبلها إختيار من سيكون رئيسا لمجلس الوزراء للمرحلة القادمة والتي من أجلها جاءت دعوات الحوار القائلة بضرورته القصوى كخيار لا بديل عنه، شابها الكثير من الكيد والمكايدة، وهي في الأساس لا تقبل بشيء من ذلك إلا في حالة واحدة وهي سوء النوايا.ولأن البيت الذي بنيناه أوهن من بيت العنكبوت....لهذا كله تحرك الشعب العراقي وخرجت في الأيام الماضية في مدن ومراكز المحافظات تظاهرات تطالب بتصحيح الوضع وإلتئام البرلمان المعطل وتشكيل الحكومة، وإذا لم تفهم القوى السياسية الإشارة، فإن الأيام حبلى بالمزيد، وأن في الأفق عاصفة ستقتلع كل المتسببين بتعطيل حياة العراقيين...ورغم كل المؤشرات التي لا تبعث على التفاؤل كثيرا، فإن الأمل يبقى قائماً، نظراً لمصيرية العملية السياسية، وانعدام الخيارات البديلة المقبولة لتجاوز المشكلات القائمة، وهذا فقط هو ما سيقنع كل الأطراف بمكوناتها المختلفة، بعدم جدوى كل المكايدات والكيد السياسي والتململ والتذمر والبحث عن مبررات الفشل بدلاً من البحث عن قواسم وأسباب النجاح والتمسك بها ..
https://telegram.me/buratha