حسين جميل الركابي
في ثمانينيات القرن الماضي كنت معتقلا في مديرية الأمن العامة بتهمة توزيع منشورات ضد نظام المجرم صدام حسين,وقد شاهدت العجب العجاب من صنوف التعذيب والتنكيل والحرب النفسية والجسدية التي تمارس ضد أبناء الشعب العراقي,كنت اسمع صراخ النساء واستغاثتهن أثناء تعرضهن إلى السياط والهزات الكهربائية والكيبلات,شاهدت بأم عيني كيف يمارس التعذيب بحق شباب العراق,الدماء كانت تسيل بغزارة من أجسادنا بحيث يكاد يصعب على المرء معرفة وتبيان ملامح الوجه وما ذلك إلا لشدة وقسوة التعذيب الذي كان يحصل تحت مرأى المجرم فاضل البراك مدير الأمن العام 00في ضل هذه الأجواء المدمرة عزمت وقررت ان أغادر العراق في أول فرصة تسنح لي ان كتبت لي الحياة,وفعلا من الله علي بالنجاة وأطلق سراحي ثم حانت لي الفرصة فغادرت العراق,ملتحقا بركب المعارضة تحت رافع راية الجهاد والتصدي سماحة شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (رض)ضمن (قوات بدر الظافر)التي خاضت أشرس واعنف المعارك ضد الطغمة العفلقية وقدمت في هذا الطريق بحرا من الدماء وسجلا رائعا في التضحية والتصدي, في وقت كان من الصعب جدا البوح بالأسماء الحقيقية من قبل كثير من المتصدين حاليا في العمل السياسي, نعم كانت هناك أسماء مستعارة حركية,أو تحت يافطة الكنية مثل أبو محمد,أبو قاسم, أبو ثائر وهكذا,وانصافا للأمانة التاريخية لقد اندهشت كثيرا بااسماء أصبحت لامعة في المشهد السياسي لم نكن نعرفها,بل ليس لها بصمة جهادية ضد حزب البعث القذر,والبعض كان يخشى حتى من اسم البندقية فضلا عن حملها ضد نظام المجرم صدام00 على أي حال هكذا هي الدنيا0 للمنع آونة وللإعطاء00اعود للموضوع لكي لااذهب إلى متاهات قد لايرغبها القاري الكريم 00بعد المغادرة وطئت قدماي دول عديدة, الأرجنتين واحدة من هذه الدول التي دخلتها في تسعينيات القرن الماضي, وتقع في خانة ومصاف الدول الجميلة جدا,وشعبها طيب,ورقيق,ودافئ,ومثقف, يحترم الغريب,ليس هناك نزعة استعلائية,يمقتون التكبر,ولا يحبذون التعصب للعرق وللون وللدم0من الأشياء التي خزنت في سجل الذاكرة,بينما كنت أسير في احد شوارع العاصمة الأرجنتينية بوينس ايرس مع صديق لي وهو أستاذ جامعي اعترض طريقنا مجموعة من الأفراد يتوسطهم رجل طويل القامة,تعلو شفتيه ابتسامة خفيفة,يرتدي بدلة زرقاء مع ربطة عنق تتلاءم مع اللون,سلم علينا بكل أدب واحترام وقدم لنا صورته التي طبعت بشكل ليس بالكبير,وتحت الصورة اسمه ولقبه,ثم اخذ يتحدث معنا باللغة الاسبانية,فقال انا فرناندو دي لأروا,أرشح نفسي لمنصب حاكم ولاية بوينس ايرس فأرجو منكم منحي صوتكم ودعمكم,فقلت له أتمنى لك النجاح والتقدم,ولكن أرجو عذرنا من عدم تلبية رغبتكم وذلك لعدم قدرتنا على التصويت لأننا لانملك الجنسية الأرجنتينية,شكرنا وتمنى لنا حسن الإقامة في الأرجنتين,وحان وقت الاقتراع وإذا بصاحبنا يكتسح الأصوات ويفوز بمنصب حاكم ولاية بوينس ايرس00هذا الاكتساح عمق من طموحه ونشوته التي أخذت بعدا عميقا وشعر بأنه يمتلك المؤهلات والقدرات والقابليات لمنصب رئيس جمهورية ,وبالفعل اخذ يعمل ويهيئ الأرضية ويزيد من قواعده الجماهيرية,الى ان انتهت الولاية الثانية لرئيس جمهورية الأرجنتين كارلوس سعود منعم الأرجنتيني المولد,السوري الأصل,فتقدم فرناندو ذي لأروا للترشيح واخذ يخطب ويتحدث مع الجماهير,ويسافر من مكان الى مكان,الى ان جاء وقت الاقتراع0 وجاءت النتيجة وإذا بفرناندو ذي لأروا يصبح رئيس جمهورية الأرجنتين , بعد فترة ليست بالكثيرة من حكمه كرئيس جمهورية الأرجنتين,حدثت أزمة سياسية واقتصادية عصفت بالبلاد,وإذا برئيس الجمهورية يتقدم ويقدم استقالته ويتنحى عن أهم واخطر منصب في البلد, الشعب اشرف واكبر من أي مسؤولية,انتهت القصة,ولكن العبرة حافظت على مساحتها ولازالت00متى نعي دورنا كبشروكافراد ينتمون الى بلد بحجم وثقل العراق,ماذا تقولون للشعب العراقي عندما يحين موعد الانتخابات القادمة,وبأي لغة تتحدثون معه!!00لو كان هذا الكرسي كرسيا كهربائيا هل تحبونه وتتقاتلون من اجله حتى ولو كان من اجل ألف عراق وعراق؟؟؟؟
حسين جميل الركابي
https://telegram.me/buratha