التقارير

كيف نفسر سكوت أمريكا عن قتل وتهجير المسيحيين؟!

2952 07:57:14 2014-07-31

الدكتور خيام الزعبي-صحفي وكاتب أكاديمي سوري

تثبت أمريكا كل يوم مدى كرهها وعدائها للعرب وضلال دعواتها للحريات وحقوق الإنسان، فهي أول من ينتهك تلك الحقوق بوحشية قاسية، فجاءت عمليات تهجير المسيحيين التي تعد كارثة إنسانية بكل المقاييس، لتكشف الأقنعة عن مخططها الصهيوني لتفتيت العالم العربي، فالذي يحدث في العراق وسوريا من تهجير للمسيحيين يصب في مصلحة الرؤية الإستراتيجية الأمريكية للمنطقة، ويحقق خطوات فعلية لمخطط الفوضى الخلاقة ويكفل تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة، فصمت أمريكا عن قتل المسيحيين وتهجيرهم يثبت أن البيت الأبيض يستخدم كل الأدوات لتحقيق مصالحه ومصالح إسرائيل، الذي تخلى وباع مسيحي الشرق الأوسط جميعهم من أجل مشروع تقسيم المنطقة، فالذي أصاب الموصل من تهجير إجباري مهين، وحرق كنائس أثرية، والإستيلاء على ممتلكاتهم، خير دليل على ذلك، إذ لم تتحرك أمريكا لحماية حقوقهم.

إن ما يحصل اليوم في العراق لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن الأوضاع في سوريا فالسيناريو مشابه تقريباً وهو ما يشير الى أن للموضوع أبعاد أكثر مما هي معلنة وهو بداية مرحلة الشرق الأوسط الجديد وتقسيم دول المنطقة على أسس مذهبية وعرقية، فقد كنا نظن بان ذاك المشروع الذي يقف خلفه اللوبي اليهودي والمحافظين الجدد قد تم وأده بعد فشل الإحتلال الأمريكي في العراق وصمود المقاومة في كلا من فلسطين ولبنان في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية، لكن يبدو بأن رياح الربيع العربي قد أتت على هوى هذه القوى لتعيد إحياء هذا المشروع، وقد بدت معالمه واضحة بعد قيام تنظيم داعش بإزالة الحدود بين محافظتي نينوى العراقية والحسكة السورية، فضلاً عن سكوت الولايات المتحدة الأمريكية وإهمالهم للمسيحيين في المنطقة وما يحدث لهم من تهجير وأعمال عنف على أيدي التنظيم الإسلامي "داعش"، لذا لا يعد مستغرباً بأن أمريكا، وبحسب معطيات المشهد السياسي، ستستمر في إستغلال الدين في المنطقة وإندفاع السنة ضد الشيعة، كآلية جديدة لتحقيق مخططها التفتيتي في الشرق الأوسط.

وكل ذلك يقتضي طرح تساؤلات جوهرية، لماذا تسكت الولايات المتحدة على المأساة الإنسانية للمسيحيين في العراق وسوريا؟ وما هو هدف أمريكا من تهجير المسيحيين وهل تطبيقه يحقق المصلحة الإسرائيلية أم يتعارض معها؟

هنا لا بد من القول أن المسيحي والمسلم السني والشيعي العربي والتركماني وغيرهم جميعاً ضحية لتلك الحرب المسمومة، للقضاء على الوطن العربي وتناحره، ولا يمكننا أن نتجاهل أن ما يحدث للمسيحيين في الشرق بأيدي الجماعات التكفيرية التي صنعتها أجهزة الإستخبارات التابعة لأمريكا والكيان الصهيوني، ذريعة جديدة هدفها التدخل في أوطاننا، فتهجير المسيحيين الممنهج بدأ في فلسطين من قبل الكيان الصهيوني، ما يؤكد أن المخطط الجهنمي لإقتلاع المسيحيين تتوزع أدواره على الصهاينة من جهة وعلى التكفيريين من جهة أخرى،

وهجرة المسيحيين من العراق تعود إلى عام 2003 مع بداية الغزو الأمريكي فذكر تقرير سابق لمنظمة "حمورابي لحقوق الإنسان" العراقية، أن عدد المسيحيين إنخفض من حوالي مليون و400 ألف إلى قرابة نصف مليون، واليوم تقوم داعش بتهجير مئات الآلاف من المسيحيين وخاصة في الموصل، بعد أن إستعمرت كنائسهم وحولتها إلى مقار لقيادتها وأمريكا صامتة لا تحرك ساكنا، ويرجع هذا الصمت الرهيب تجاه قتل المسيحيين وتهجيرهم، الى أن تنظيم "داعش" هو صناعة أمريكية وعميل لها، وأن واشنطن تريد تحويل العراق لمنطقة جاذبة لكل المتشددين وأنصار العنف، كما تريد أن يكون الشرق الأوسط مفرخة للإرهاب والإرهابيين، إذ تعمل لتحقيق ذلك على خلق الصراعات الطائفية مرة بين المسلمين والمسيحيين وأخرى بين السنة والشيعة، في إطار مخطط تقسيم المنطقة .

ومن ثم فإن تهجير المسيحيين من الشرق, يعد بمثابة مكسب للأمريكيين والإسرائيليين لإنهم يشكلون خطراً على مصالحهم، بإعتبارهم حصناً منيعاً ضد تقسيم المنطقة إلى كيانات طائفية أو مذهبية, خاصة مع إنتمائهم للعالم العربي ودفاعهم عن القضية الفلسطينية, وفي سبيل تحقيق ذلك كان من اللازم تنفيذ الجزء الأول من مخطط الشرق الأوسط الكبير وهو نشر الفوضى الخلاقة, من خلال زعزعة الاستقرار في الدول العربية لإضعافها من جهة، وتفكيكها من جهة أخرى، وقد تلاقت تلك الأهداف مع الدور الذي تقوم به القاعدة من خلال القيام بأعمال انتقامية ضد المسيحيين, تجبرهم على الهجرة وبذلك تتحقق مصالح إسرائيل في تحويل المنطقة العربية المحيطة بها إلى مجموعة متشرذمة من الدويلات الصغيرة المتناحرة، ويأتي ذلك المخطط إستكمالاً لما قامت به إسرائيل, من تهجير متواصل لمسيحيي فلسطين من أجل تفريغ القضية الفلسطينية من بعدها المسيحي, والتخلص من مكون عربي مهم ومحوري في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بهدف تغيير الميزان الديموغرافي, لتنفيذ مشروع يهودية الدولة الإسرائيلية, وليكتسي الصراع ببعد ديني يهودي مسلم.

وفي إطار ذلك أرى إن هذا التهجير بحق المسيحيين يُعد وصمة عار على جبين الأمة العربية والإسلامية التي مازالت صامتة ولن تحرك ساكناً أمام منظمة الأمم المتحدة أو الجامعة العربية، على أقل تقدير لنبرهن للعالم أن هذا التصرف لا يليق بأمتنا المعروفة بتسامحها منذ فتوحات الخلفاء الراشدين حيث لم يجد العرب المسيحيون آنذاك غير الإحترام وصيانة كنائسهم وممتلكاتهم .

وأختم مقالتي بالقول إن المنطقة دخلت الآن في أوج أزمتها والإنفجار قريب والتفتت بات واقعاً، يبقى وحده تحالف دولي يمكن أن يغير ميزان القوى وأن يعيد المنطقة إلى سابق عهدها، تحالف تقوده دول معنية بمكافحة الإرهاب وإجتثاثه وقد تقوده سوريا والعراق بمساعدة دول أخرى على رأسها روسيا، فالوقت الآن لتقييم كل ما حصل وأن نتكاتف جميعنا ونضع خلافاتنا جانبا لحماية أبنائنا في ظل وطننا الكبير، وأن نعد العدة ولا نستهين بالخطر القادم إلينا من جميع الاتجاهات.

19/5/140731

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك