متابعة ـ علي عبد سلمان||
تعد نكبة لبنان الأخطر من نوعها منذ الاشتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، فقد عاشت لبنان مساء الثلاثاء الموفق الرابع من آب حالة من الرعب والخوف الذعر جراء تفجير مرفأ لبنان، الذي خلف أعداد كبيرة من الشهداء والآلاف من الجرحى ودمار مادي لا يوصف.
كان من المرتقب أن يطل علينا سماحة الأمين العام لحزب الله في الموعد المقرر له في ذات اليوم للحادث، ولكن جسامة الحادث وخطورته حالت دون ذلك و تأجيل الخطاب ليوم الثامن من آب، وبقي الجميع متسمرا ينتظر خطاب المقاومة لاسيما والمقاومة في لبنان هي المعنية والمستهدف الأول مما حصل.
لقد توقع الكثيرون أن يكون الخطاب ناري يضع فيه سماحة السيد النقاط على الحروف ويكشف المستور، غير أن الخطاب جاء عفويا هادئا نعى فيه الشهداء وواسى ذوي الشهداء، ثم الإعلان الصريح عن براءة حزب الله وأخلاء مسؤوليته مما جرى، كما أعرب سيد المقاومة عن حجم الأفتراء الذي مارسه الأعداء إزاء الحزب وأتهامه بتخزين الصواريخ في المرفأ ، وأكد دون تكرار بأن الحزب ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالمرفأ اللبناني.
ولتقييم هذا الخطاب والوقوف على أهميته وفهم مقتضيات قصر الخطاب وعفويته وبساطته لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:
🔴 حزب الله قارئ دقيق وعميق للأحداث ويعرف طبيعة الصراع وعوامل القوة وعوامل الضعف لدى جميع الأطراف المتصارعة المحلية والإقليمية والدولية، كما أنه يدرك المرحلة التي وصل أليها الصراع في أبعاده العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
🔴 الحزب بقيادته المباركة يدرك طبيعة التوازنات الداخلية في لبنان وطبيعة التأثير الخارجي على الجهات المحلية الفاعلة، ومدى التفاعل المختلف بين القوى اللبنانية وحجم التعاطي المتفاوت بين الأطراف، فضلا عن درايته بالخلافات والتزاحمات بين تلك الأطراف المحلية دخل الساحة اللبنانية.
🔴 راع الخطاب الوضع النفسي المنهار لآلاف العوائل التي نكبت بذويها ومساكنها، لذا حاول الخطاب مداراة هذه الشريحة التي تضررت جراء الانفجار، ومراعاة الظرف الحساس الذي تعيشه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة أثرت على قوت طبقة واسعة من الشعب اللبناني، فضلا عن التصعيد الإعلامي الذي تزامن مع التفجير وتوجيه أصبع الاتهام إلى ضلوع حزب الله بهذه المأساة التي حلت ببيروت.
🔴 قناعة الحزب تدرك أن الحادث جاء ليكمل مشروع حصار لبنان وتضييق الخناق عليها اقتصاديا، وقطع الطريق أمام أيا من الحلول التي كانت الحكومة اللبنانية تنوي الأخذ بها، وإتمام الإطباق على ما تبقى من عوامل تسهم في تخفيف الضغط الاقتصادي الكبير الذي يعاني منه لبنان.
🔴 الملاحظ على خطاب سماحة السيد أنه لم يوجه الاتهام لأي جهة داخلية أو خارجية، اكتفى فقط بتبرئة ساحة الحزب من التهم الموجه إليه، وهذا ينبئ عن حجم المؤامرة الكبيرة التي تحيط بلبنان والمنطقة، ويشير إلى بداية مرحلة جديدة في الصراع تحتاج إلى قراءة فاحصة ومتأنية، لذلك أبتعد سماحة السيد عن الإدلاء بتصريحات تكشف عن نوايا الحزب وقراراته المستقبلية، ومن هي الجهات التي شاركت بالجريمة؟ وهذا إن دل على شيء فإنه يدل عن تطور جديد في قواعد الاشتباك يحتاج إلى أعادة ترتيب الأولويات.
🔴 يعتقد الحزب بوجود سيناريوهات متممة لما جرى، وزيارة ماكرون جاءت لتعطي الضوء الأخضر لبدء المرحلة الثانية من المشروع المتمثل في توظيف الحادث بتحريك الشارع اللبناني الذي يوالي الغرب عبر قواه السياسية، فقد كان الخطاب يحمل هاجس الترقب مما يحاك ضد لبنان، ولغة التصعيد تزيد التوتر في البيئات الاجتماعية المعادية لحزب الله والموالية له، ومعادلة الاقتتال السياسي والطائفي معدة سلفا بعد الحادث.
https://telegram.me/buratha