علي عبد سلمان
أمريكا تعترف بإسقاط الطالبان طائرة تجسّس عسكريّة ومقتل جميع ركّابها.. هل جاء الصّاروخ المُتطوّر الذي أسقطها من إيران أم الصين؟ وكيف ستنعَكِس هذه الصّفعة القويّة لترامب وقادته على مُستقبل الصّراع في أفغانستان؟ وهل سيكون الرّبيع الأفغانيّ ساخنًا؟
حركة طالبان لا تَكذِب، والمتحدّث الرسميّ باسمِها السيّد ذبيح الله مجاهد قال الحقيقة مُنذ اللّحظةِ الأُولى عندما أكّد أنّ حركته أسقطت طائرة تجسّس أمريكيّة في إقليم غزنة وسط أفغانستان، كانت تحمل على مَتنِها ضُبّاطًا كِبارًا قُتِلوا جميعًا في أكبرِ صفعةٍ للرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وقادَته العسكريين.
المسؤولون العسكريّون الأمريكيٍون، وبعد تلكّؤٍ طويل، اضطرّوا لتأكيد صحّة البيان الذي أصدرته حركة طالبان عن إسقاط الطّائرة، مثلَما أكّدوا أنّها تتبع لسِلاح الجو الأمريكيّ، ولكنّهم اكتفوا بالقول إنّها طائرة صغيرة، ولم يكشفوا عن عدد العسكريين القتلى ورُتبِهم حتّى الآن.
الصّور الأوليّة التي جرى تداولها على وسائط التواصل الاجتماعي، وخاصّةً “توتير” لحُطام الطّائرة، أكّدت وبعد فحصها من قبل الخُبراء أنّها من نوع بومبارديه A11A التي يستخدمها الجيش الأمريكيّ لأغراضِ التجسّس في أفغانستان، إنّها مُتوسّطة الحجم، وأنّ إسقاطها تم على الأرجح بصاروخٍ مُتطوِّرٍ.
إنّ هذا التطوّر العسكريّ الفريد من نوعِه أيّ إسقاط طائرة مُتطوّرة تكنولوجيًّا من هذا الطّراز يُشَكِّلُ ضربةً قويّةً للرئيس دونالد ترامب وقيادته العسكريّة، وخُططه الأفغانيّة مثلَما سيُؤدِّي إلى تعزيز موقف حركة طالبان التّفاوضي، الذي يشترط سحب جميع القوّات الأمريكيّة (14 ألف جندي) دون تلكّؤ، ودون أيّ تنازلات من قبلهم، غير تقديم ضمانات عدم مُهاجمتها أثناء عمليّة الانسِحاب في حال بَدئِها.
المُفاوضات التي جرت في الدوحة بين مُمثّلين عن حركة طالبان والأمريكيين برئاسة زلماي خليل زاد، السفير الأمريكي السّابق ومسؤول مِلف أفغانستان في الإدارة الأمريكيّة انهارت بسبب هُجوم شنّته حركة طالبان على قاعدة باغرام العسكريّة في كانون أوّل (ديسمبر) الماضي، في رفضٍ واضحٍ لطلبٍ أمريكيّ بتخفيض الهجَمات كشرطٍ لاستئناف المُفاوضات، والإصرار على مُواصلة الهجَمات العسكريّة في توازِ مع هذه المُفاوضات، استنساخًا لتجربة المُقاتلين الفيتناميين في السّبعينات من القرن الماضي.
السّؤال الذي يطرح نفسه في أوساط الخُبراء العسكريين الأمريكيين حاليًّا هو كيفيّة حُصول حركة طالبان على هذا الصّاروخ المُتطوّر الذي استُخدِم لإسقاط هذه الطّائرة؟ وما هي مخاطره المُتوقّعة على الطّائرات والمروحيّات العسكريّة الأمريكيّة في أفغانستان؟
هُناك نظريّتان ربّما تُجيبان على هذا التّساؤل:
الأولى: أن تكون إيران التي تُقيم عُلاقات تحالفيّة قويّة مع حركة طالبان هذه الأيّام هي التي زوّدت الحركة بهذا النّوع من الصّواريخ المُتطوّرة الذي يُضاهي صاروخها الذي استُخدِم في إسقاط طائرة التجسّس الأمريكيّة “غلوبال هوك” فوق مضيق هرمز أواخِر العام الماضي في إطار خُططها للثّأر من الأمريكيين لاغتِيال الحاج قاسم سليماني.
الثاني: أن يكون مصدر هذا الصّاروخ هو الصين وعبر باكستان، الحليف القويّ لطالبان، حيث أنّ التّعاون العسكريّ بين الجانبين لم يَعُد سِرًّا، حتى أنّ الولايات المتحدة جمّدت مُساعدات بقيمة مِلياريّ دولار سنويًّا لباكستان بسبب هذا التّعاون، وتلكّؤ حُكومة عمران في الإيفاء بتعهّداتها في مُكافحة الإرهاب في الجارة الأفغانيّة.
وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون) تعيشُ حالةً من الارتباك، وترفض التّعليق على هذه الضّربة القويّة التي مُنِيَت بها قوّاتها في أفغانستان، وتقديم أيّ معلومات حول عدد الضّحايا ورُتبهم العسكريّة حتّى كتابة هذه السّطور، ولكنّ المُصاب جلَل.
هل نقول إنّ إسقاط هذه الطّائرة يعني مرحلةً جديدةً من التّصعيد في الحرب الأفغانيّة “المنسيّة”؟ الجواب نعم كبيرة، خاصّةً أنّ موسم الرّبيع الذي تتزايد فيه العمليّات العسكريّة للمُجاهدين الطالبان، وبعد ذوَبان الثّلوج، بات على الأبواب.
جَميلٌ أن يتزامن إسقاط هذه الطّائرة مع إعلان الرئيس ترامب الوشيك عن تفاصيل صفقة قرنه التي تعني تصفية القضيّة الفِلسطينيّة وبأرخصِ الأثمان، في وقتٍ تُطالب فيه فصائل فِلسطينيّة بالعودة إلى المُربّع الأوّل، أيّ المُقاومة بأشكالها كافّةً بعد انهِيار عمليّة السّلام.
لا نستغرب أن يخرج علينا من أبناء الشّعب الفِلسطيني من يقول: أطلبوا الشّجاعة والرّجولة والصّمود ولو في أفغانستان وعلى يَدِ الطالبان.. واللُه أعلم.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha