بغداد ـ عادل الجبوري
قبل أيام وتحديداً يوم الخميس الماضي الواقع في 4 نيسان/ابريل الجاري، أعلن قائد جهاز مكافحة الاٍرهاب الفريق الركن عبد الغني الأسدي عن تحرير مدينة هيت التابعة لمحافظة الأنبار بالكامل من عصابات "داعش" الإرهابية. إلا أن هذا الخبر مرّ على الساحة العراقية "مرور الكرام" رغم أهميته البالغة نظراً لاستفحال الخلافات والصراعات داخل الكواليس السياسية العراقية حتى بلغت مستوى خطراً بات يتهدّد الوضع العراقي برمّته.
ترتبط أهمية تحرير مدينة هيت بموقعها داخل الجغرافيا العراقية وتوقيت إنجاز الجيش العراقي عملية تحريرها، فضلاً عن مدلولاتها المرتبطة بطبيعة تركيبتها السكانية.
فيما يتعلق بموقعها، تمتد هيت على الضفة الغربية لنهر الفرات وعلى مسافة ٧٠ كيلو مترا من مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، وعلى بعد ١٨٠ كيلوم مترا شمال غرب العاصمة بغداد، وتحيط بها كل من الفلوجة والحبانية من جهة الجنوب، وبحيرة الثرثار من الشرق، وقضاء حديثة من الشمال الغربي.
وقد وقعت المدينة تحت سيطرة تنظيم "داعش" منتصف العام 2014، أي قبل نحو عامين من اليوم، وبعد بضعة شهور راح ذلك التنظيم يفقد مكاسبه على الارض بفعل العمليات النوعية لقوات الجيش العراقي والحشد الشعبي وأبناء العشائر والبشمركة الكردية، التي أدت الى استرجاع جرف النصر وبلد والضلوعية وسامراء وأمرلي وسنجار وبيجي والرمادي.
ولا شك أن تحرير هيت، يعني الاقتراب جنوبا من تحرير الفلوجة التي يعدها التنظيم الإرهابي من اهم قلاعه ومرتكزاته الاستراتيجية، وكذلك الاقتراب شرقا وشمالا من الثرثار وحديثة، وابعاد أية مخاطر عن العاصمة بغداد وعن العتبات والمراقد المقدسة في كربلاء المقدسة والنجف والأشرف وبابل.
ومن ناحية التوقيت، فإن عملية تحرير هيت ترافقت مع شائعات روجت لها وسائل إعلام ومواقع الكترونية تابعة لتنظيم "داعش" عن تحقيق التنظيم اختراقات في مناطق من "حزام بغداد"، ومع وضع سياسي متأزم بدا انه مفتوح على شتى الاحتمالات. وعليه فإن من شأن تحرير تلك المدينة أن يسهم في إدامة زخم المكاسب والانتصارات على "داعش" ووضع حدّ للشائعات التي تتحدث عن نجاح "داعش" في تحقيق اختراقات ميدانية هنا أو هناك، والتخفيف من أجواء الإحباط والتشاؤم السائدة في الشارع العراقي بسبب الخلافات السياسية الحادة بين الأفرقاء السياسيين.
أما فيما يتعلّق بالتركيبة السكانية للمدينة التي يقطنها اكثر من مائة الف نسمة، فهي تضم طيفا اجتماعيا متنوعا من عشائر البونمر والجغايثة والبوفهد والمحامدة والغرير والبوعلي الجاسم والسلمان والجواعنه والكرابله والراويين والمعاضيد والكبيسات والموالي والبو زيدان والدواسر. وفي وقت سابق حاول ارهابيو "القاعدة" من خلال أسلوبي الترغيب والترهيب جذب أكبر عدد ممكن من أبناء تلك العشائر إلى صفوفهم، وقد نجحوا في ذلك لفترة من الزمن، بيد ان ما قام به الارهابيون من جرائم يندى لها الجبين بحق ابناء المناطق الغربية، دفع الذين وقفوا معهم من أبناء العشائر إلى نفض أيديهم منهم وحمل السلاح بوجههم، وهو ما ادى الى انحسار تواجد الجماعات الارهابية في محافظة الأنبار.
ويبدو الآن، وبعد مرور عدّة أعوام، أن المشهد تكرر بصورة أو بأخرى، بعد سيطرة تنظيم "داعش" -الذي ولد من رحم تنظيم "القاعدة"- على مدن ومناطق عديدة من بينها الانبار، اذ وجد ابناء العشائر انه لا مناص من الوقوف بوجه هذا التنظيم الارهابي، من خلال مساندة القوات العراقية الحكومية، وبالتالي هزيمته ودحره، وبالفعل فإن تشكيل الحشد العشائري من أبناء العشائر، مثّل خطوة مهمة على صعيد تحشيد وتعبئة مختلف الطاقات والامكانيات في سبيل التصدي للارهاب التكفيري الـ"داعشي" وتحرير المدينة من براثنه.
ولعل أحد أهم العوامل التي دفعت عشائر المناطق الغربية للوقوف بوجه "داعش"، كان اقتراف التنظيم الإرهابي أبشع الجرائم بحق أبناء تلك العشائر. وما حملات النزوح الجماعي، ومشاهد البيوت المدمرة والنساء الثكالى والاطفال المرعوبين، إلا أدلة دامغة على جزء من الجرائم البشعة التي ارتكبها "داعش" بحق العشائر.
ومما لاشك فيه أنه لولا دعم وإسناد أبناء العشائر لقوات الجيش العراقي والاجهزة الامنية لما تحررت هيت والرمادي ومدن أخرى من عصابات "داعش"، مثلما لو لم تكن قوات الحشد الشعبي حاضرة ومساهمة بفعالية وقوة لما تحررت بيجي وتكريت وجرف النصر وعزيز بلد والضلوعية وغيرها من المدن والبلدات العراقية.
وتالياً فإنه من البديهي القول إن تحرير الفلوجة والموصل وبقية المناطق التي ما زالت خاضعة لسيطرة "داعش"، لن يكون إلا من خلال تكاتف وتعاون قوات الجيش العراقي مع أبناء العشائر والحشد الشعبي والبيشمركة.
https://telegram.me/buratha