على الرغم من كل المماحكات الأمريكية بشأن التجارب الصاروخية الإيرانية، فقد وصل إلى موسكو نائب وزير الخارجية الأمريكي توماس شينون.
شينون وصل بأجندة أعمال تتضمن "التعاون الثنائي والأزمة السورية والملف الصاروخي الإيراني"، حسب وزارة الخارجية الروسية. لكن كل المؤشرات تتجه نحو أولوية الملف الصاروخي الإيراني، وربما تعاون ما أمني بين موسكو وواشنطن في مكافحة الإرهاب.
هناك اتفاق بين وزارتي خارجية البلدين على أن زيارة شينون امتداد لزيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي أجرى مباحثات مهمة طوال 8 ساعات في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الروسي أيضا سيرغي لافروف. وهناك اتفاق أيضا، على الأقل على مستوى التصريحات، على الملفات الثلاثة: العلاقات الثنائية، والأزمة السورية، والملف الصاروخي الإيراني.
الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في غاية "الغضب" و"القلق" من صواريخ إيران على الرغم من أن طهران أكدت أن هذه الصواريخ غير قادرة على حمل رؤوس نووية. ولكن يبدو أن الدول الأربع هذه ترغب في فتح ملف جديد لإيران لإخضاعها تماما. علما بأن العلاقات الإيرانية الأوروبية تحسنت بشكل ملموس عقب توقيع الاتفاق النووي، وجرت زيارات مهمة متبادلة بين طهران وعواصم غربية. ولكن يبدو أن موقف إيران من الأزمة السورية لا يروق للغرب من جهة، وأن علاقاتها مع كل من موسكو ودمشق لا تتماشى مع الرغبات الغربية في الوقت الراهن من جهة أخرى. وبالتالي، من الطبيعي أن يتم فتح ملفات جديدة.
الولايات المتحدة وحلفاؤها أكدوا في رسالة مشتركة أن تجارب إيران تنتهك قرارات مجلس الأمن الصادرة بموجب الاتفاق التاريخي بين المجتمع الدولي وإيران على تسوية ملف برنامجها النووي، وتمثل استفزازا وعاملا يزعزع الاستقرار، وتتناقض مع قرار مجلس الأمن رقم 2231. وهو ما يغري هذه الدول بمواصلة التلويح بملف العقوبات كشكل من أشكال العقاب والابتزاز في آن واحد.
من جهة أخرى، يظهر الموقف الروسي المغاير تماما لموقف الولايات المتحدة وحلفائها، سواء الأوروبيين أو العرب. فقد صرحت وزارة الخارجية الروسية بأن موسكو لا تعتبر تجارب إيران للصواريخ البالستية، خرقا لقرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، لأن قرار مجلس الأمن رقم 2231 لا ينص على أن إطلاق صواريخ بالستية محظورا، ولا يمنع، بل يحتوي فقط على دعوة ليس للامتناع عن تجارب كل الصواريخ البالستية، بل الامتناع عن تجارب الصواريخ المصممة لحمل رؤوس نووية". وبالتالي لا جدوى من إثارة موضوع إطلاق إيران صواريخ بالستية في مجلس الأمن.
وجهة النظر الروسية هذه، لن تعوق توجه الولايات المتحدة وحلفائها إلى مجلس الأمن ومواصلة الابتزاز والضغط لا بسبب ملف الصواريخ بطبيعة الحال، ولكن لأسباب أخرى مفهومة ومعروفة.
في كل الأحوال، موسكو لا تمانع على الإطلاق، وانطلاقا من مصالحها، بحث أي ملف أو مناقشة أي موضوع، خاصة وأن البلدين لم يبحثا منذ فترة طويلة موضوع "تنفيذ إيران خطة العمل الشاملة" المرتبطة بالاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه بين إيران والسداسية الدولية.
هناك تلميحات بأن إيران تركز في إعادة بناء اقصادها ومشروعاتها في مجالات الطاقة والتسليح وتطوير الأسلحة على دول مثل روسيا والصين، ثم فرنسا وألمانيا. وبالتالي، هناك إحساس بالضيق من جانب الولايات المتحدة التي يأتي ترتيبها "المحتمل" في مؤخرة القائمة على الرغم من أنها هي التي كانت تقود الحملة ضد إيران طوال السنوات الأربعين الماضية. هذا الضيق مشوب أيضا بالمخاوف من أن تظل إيران ساحة لوجود روسيا والصين في المنطقة، وهو ما يفقد واشنطن مصداقيتها في الحفاظ على أمن حلفائها في دول الخليج. ولكن هذه المخاوف، يراها البعض سطحية وساذجة وشكلية، لأن ما يجري في الواقع هو شكل من أشكال الضغط على دول الخليج بهدف تشكيل هيئات دفاعية مشتركة بعيدا عن مشاركة قوى دولية وإقليمية أخرى، وإقامة المزيد من القواعد التي تضمن بقاء الولايات المتحدة وبعض حلفائها الكبار في منطقة الخليج لأطول فترة ممكنة.
أشرف الصباغ
https://telegram.me/buratha