وأخيراً حدث الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، بعد مخاضٍ عسير ومعركة استمرت سنوات بين كر وفر، ووسط احتجاجات من معارضين من جهة ومن جهة اخري مصفقين لهذا الاتفاق التاريخي الذي ستكون له تأثيرات على الصعيدين السياسي والاقتصادي العالمي عموماً والشرق الأوسط خصوصاً.
"فيينا" كانت مكان الحدث الذي سيذكره التاريخ طويلاً حيث شهدت تلك العاصمة النمساوية توقيع أصعب الاتفاقات الدولية بين قطبين مختلفين في وجهاتهم السياسية والاقتصادية. وفي ظل ظروف إقليمية ودولية صعبة. تم هذا الحدث الاستثنائي وسط تساؤلات كبرى وهواجس لعدة أطراف مؤيدة ومعارضة للاتفاق النووي الايراني-الدولي .
إيران، التي لن تجد رئيسا أميركياً أفضل من أوباما للاتفاق معه، نجحت بانجاز ھذا الاتفاق لرفع العقوبات القاسية عنھا، مما يحرر اقتصادھا من قيود ويوفر لها انطلاقة جديدة لتعزيز نفوذھا لدى الدول المجاورة لا سيما العراق وسوريا ولبنان واليمن. من جهة أخرى دخلت إسرائيل عمليا في شبه عزلة دولية فهي تقاتل بمفردھا بعد الجھد الذي قاده نتنياھو لمنع عقد أي اتفاق وقد فشل.
موقع "0404" العبري المتطرف تناول الاتفاق بعنوان "يوم أسود في اسرائيل وفرحة كبيرة في ايران"، كما وصفه موقع صحيفة "يديعوت احرونوت" بالتاريخي حيث أعلن عبر موقعه "انه انتصار كبير للايرانيين وضربة قوية لرئيس الوزراء الاسرائيلي. في حين اعتبر وزير الجيش موشيه يعلون ان التوصل الى هذا الاتفاق ب"السيئ" هو يوم أسود على اسرائيل".
الاتفاق النووي مع إيران وحّد إسرائيل، حكومة ومعارضة، في مشاعر القلق والھزيمة، وهذا يعني الاقرار بأن إيران ھي الرابحة والمنتصرة، مع اتھام الدول الكبرى، وضمنا الولايات المتحدة، بالخضوع لإيران وإھمال إسرائيل.
هذا الاستياء الاسرائيلي يلتقي مع القلق السعودي – وبعض الخليج - لأن هذا الاتفاق النووي مر على حسابھا مما يساھم في تكريس النفوذ الإيراني في المنطقة، وھي التي لم تھضم بعد "الھرولة الأميركية" باتجاه إيران من دون أخذ مصالح الخليج في الاعتبار.
ولبنان كالعادة انقسم الى طرفين، الطرف الأول المتفائل عبر عنه الرئيس بري حيث رأى أن الاتفاق الإيراني الأميركي سيقود الى حوار سعودي – إيراني، وهو الوحيد الذي يعوّل عليه لفتح ثغرة في الجدار اللبناني والوصول الى انتخاب رئيس للجمھورية من ضمن سلة كاملة وتسوية سياسية.
أما الطرف الأخر المتمثل بفريق 14 آذار، فكانت مواقفه متباينة ومترددة وحذرة وقد فضل عدم إعلان أحكام واستنتاجات حاسمة، بانتظار الموقف السعودي النهائي والأسلوب الذي ستعتمده المملكة في المرحلة الجديدة.
بين التفاؤل والحذر، يسود اعتقاد عند البعض أن الاتفاق السعودي - الإيراني، ھو مفتاح التسوية والتھدئة لصراعات وأزمات المنطقة، وضمناً لبنان، التي بموجبھا سيصار الى تعبئة الفراغ الرئاسي.
كما يتوقع آخرون ان هذا الاتفاق ستكون له انعكاسات على الاقتصاد اللبناني لانه يمكّن الدولة من الإفادة من الاتفاق النووي عبر قبولھا العرض الإيراني الخاص ببناء معامل لإنتاج الطاقة بسعة 1000 ميغاواط بشروط ميسرة، مع إمكان رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين وتعزيز العلاقات المصرفية والمالية المجمدة بحكم العقوبات. يضاف إليها أن إيران تتمتع بقوانين استثمارية جاذبة، إذ تسمح للمستثمر الأجنبي بتملك 100 % لأي مشروع أراد الاستثمار فيه. والأهم من ذلك تسليح الجيش اللبناني، حيث سبق لإيران أن عرضت تزويد الجيش مجانا بكميات من الأسلحة والذخائر النوعية.
في الختام ملاحظات وتوقعات سريعة على هامش الاتفاق النووي:
1- انه اعتراف دولي بأن ايران دولة إقليمية عظمى.
2- الصراع مع "الشيطان الأكبر" لم ينته لكنه دخل في مرحلة جديدة وعلى جبهة المقاومة والممانعة ابتكار طرق جديدة وابداع وسائل حديثة تتلاءم مع الحقبة الراهنة. وايران المحاصرة بالعقوبات نجحت بالصمود وتوسيع نفوذها وستكون بعد الاتفاق اقدر على توظيف انتصارها الجديد.
3- الخوف من نتائج الاتفاق سوف يسرع التحالف العلني بين إسرائيل والصهيونية العربية التي بدأت بالتطبيع سرا وعلنا وقد يقودها الحقد والعجز الى الهروب الى الامام وهذا ما ستكشف عنه المرحلة المقبلة .
4- الحركات التكفيرية سوف تتجه اكثر نحو التطرف لانها تمثل جمهورا محبطا وخائبا من عجز الحكام العرب ومتعصب ضد ايران .
5- انه اتفاق دولي ندّي وليس تحالفا جديدا لذلك يساعد على احتواء بعض الازمات لكنه لا يحلها بالضرورة .
6- إسرائيل هي الخاسر الأكبر لانها فقدت وظيفتها وتأثيرها على واشنطن .
ستستمر الولايات المتحدة بدعم إسرائيل وانظمتها العربية للمحافظة على التوازن الإقليمي ومن اجل احتواء المارد الإيراني بعد الاتفاق .
ايران بعد الاتفاق دعت العرب الى الحوار والتعاون . بعض العرب تجاوب والبعض الاخر حذر وينتظر وما تبقى قد يغامر ويقامر بمصيره .
https://telegram.me/buratha