كمال عبيد
يشكل العنف في المدارس مشكلة اجتماعية وحقوقية خطيرة في كثير من البلدان، لاسيما في البلدان المتدنية في مستوى التعليم والثقافة كما هو الحال مع العراق، نظرا لما تعرض له هذا البلد من ازمات سياسية وامنية واقتصادية وثقافية، ساهمت بتراجع البلد في مجال التربية والتعليم وثقافة المجتمع، فضلا عن تحول النظام السياسي في البلد (بطريقة دراماتيكية) من نظام دكتاتوري صارم الى نظام تتعددي. لكن الافراط في التعاطي مع الحرية حد الانفلات لأسباب خارجة عن السيطرة، فضلا عن تطبيقها غير المنضبط في المجتمع، خلق فجوة كبيرة ومفاجئة (بين الأمس و اليوم)، ولعل نظام التعليم في العراق تعرض الى الكثير من المعضلات أبرزها العنف ضد التلاميذ، فلا تزال ظاهرة العنف المدرسي حاضرة على نطاق واسع من خلال الممارسات العنيفة التي تصل الى الضرب والعنف الشديد بحق اطفال صغار، وقد حفلت وسائل الاعلام وشبكة الانترنيت بمشاهد عنف متعددة ضد الطلبة في العراق، كما لاحظنا ذلك في مشهد العنف الذي تضمنه فيديو جديد، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يتضمن الضرب الجماعي لتلاميذ مدرسة الزهاوي في مدينة العمارة الجنوبية، وقد جسدت الصور أسوء الانتهاكات الصارخة بحق الاطفال، بسبب احتوائه على مشاهد ضرب مبرح لمجموعة من التلاميذ الصغار، قام بها مدير المدرسة دون اية رحمة أو إنسانية، وقد اثار ذلك سخطا شعبيا ضد المدير وطالبت جموع كثيرة بعزل هذا المعلم عن مهنة التعليم وطالب كثيرون بطرده من المدرسة، وقد عبرت منظمات حكومية وغير حكومية معنية بحقوق الإنسان عن قلقها من العنف المدرسي في العراق. ويرى أحد المراقبين الحقوقيين أن هذا العنف ضد الاطفال الصغار والذي لا ينسجم وطبيعة المرحلة، من مدير مدرسة ينبغي ان يكون نموذجا لغيره، فضلا عن الحوادث التي تتكرر باستمرار، تأتي بسبب جهل الكثير من مديري المدراس وبعض المعلمين بواجباتهم المحددة، فهم يشعرون دائما انهم فوق القانون، وبسبب هذا الفهم الخاطئ قد يُقدم البعض منهم على ارتكاب أفعال شنيعة لها سمات إجرامية بحق اطفال صغار، لذلك ينبغي أن يكون مثل هؤلاء تحت المراقبة المستمرة من قبل جهات رقابية متخصصة من اجل القضاء على العنف، لاسيما ضد النشء الجديد، بعد أن عانى مجتمعنا الكثير من الألم والحرمان. ويقول مراقب حقوقي آخر في هذا الجانب، على الحكومة ان تضع ضوابط جديدة للتعامل مع التلاميذ.. وان تعجل سريعا بملف اخذ حق التلاميذ من مدير هذه المدرسة حتى يكون عبرة لأمثاله، وان يعرض ذلك على الرأي العام عبر وسائل الاعلام بكل مفاصل هذه الحادثة. وذلك لكي تكون درسا للجميع، وكي يتعظ منها من لا يريد أن يقع في مثل هذا الخطأ الجسيم. وحول التساؤل عن الدوافع التي تقف وراء هذا النوع من العنف، اجاب أحد الحقوقيين في حديثه لـ"شبكة النبأ المعلوماتية" قائلا: أرى أن السبب الاساس لمثل هذه الممارسات العنيفة، يعود لافتقار بعض المعلمين الى الثقافة التربوية التي تؤهلهم لفهم حقوق الانسان واهميتها، فضلا عن حرمة الانسان وكرامته الانسانية، فهذا الامر لا يتعلق فقط بالتربية العائلية او المجتمعية، وانما هو جانب مهني يجب أن يتدرب عليه المعلم وينبغي أن يدخل دورات متخصصة، تؤله ثقافيا كي يكون معلما مثقفا يغرس ثقافة الحقوق لدى تلاميذه وليس العكس. وعن الكيفية التي يمكن ان يخرج بها المجتمع العراقي من دوامة العنف المدرسي أجاب أحد الحقوقيين: انه عندما يتم بناء دولة مؤسسات قوية ويتم احترام القانون من لدن الجميع وأولهم كبار القوم، فعند ذاك سوف تتوافر بوادر امل في امكانية القضاء على العنف، ولكن يحتاج الامر الى جملة من الاجراءات المتزامنة في الانجاز، بمعنى على الحكومة والمجتمع ومؤسسات التعليم والتربية والمنظمات المتنوعة ان تقوم بواجبها التعليمي التربوي الاخلاقي التثقيفي، لنبذ العنف والتطرف. هذا المشهد المذكور في أعلاه يطرح الكثير من التساؤلات حول استخدام العنف في التعليم منها، هل الضرب وسيلة فعالة لتأديب التلميذ؟، وهل استعماله داخل المدرسة يساعد على تربية الأطفال وفرض هيبة المدرس؟، أم أنه أحد أشكال العنف الموجه ضد الأطفال في المدرسة وخارجها؟، وهل تحتاج المدارس العراقية إلى إعادة نظر في أسلوب تعاملها مع التلاميذ؟، كيف يمكن حماية ابنائنا؟، وما هي مسؤولية الدولة والمنظمات الاجتماعية والحقوقية ودور الاعلام في حد من ظاهرة العنف المدرسي في العراق؟. وفي الاجابة عن التساؤلات السابقة، يقول خبراء في هذا الشأن ان التخلص من آفة العنف المدرسي تتطلب تعاونا مشتركا بين الآباء والمعلمين، من خلال التعامل المدروس والسليم مع الوضع النفسي للطلبة الصغار، والعمل على توفير الاجواء الدراسية الصحيحة لهم، كذلك هناك متطلبات مادية ينبغي توفيرها لهم، وهذه مسؤولية الآباء بالدرجة الاولى، فلا يجوز محاسبة الابناء على تقصير أو خطأ معين، في حين لا يتنبّه الاباء الى اخطائهم!!، أما المعلمون فمطلوب منهم التمسك بالمنهج التربوي الخالي من العنف، واللجوء الى اساليب معاصرة تتفهم اوضاع الطلاب، واحتياجاتهم في الجانبين المادي والنفسي، في هذه الحالة يمكن ان يثمر التعاون بين الاباء والمعلمين، من خلال نبذ العنف بصورة تامة، مع توفير الصفوف المدرسية الجيدة والمناهج الجديدة، عند ذاك سوف يتحقق حلم التعليم السليم، وتنتهي ظاهرة العنف المدرسي التي باتت من الظواهر المتخلفة والمدمرة في الوقت نفسه. كما يرى خبراء اخرون أن نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف في المجتمع والتلاميذ في غاية الاهمية، وليكن شعارنا التعلم لحقوق الإنسان وليس تعليم حقوق الإنسان، الى جانب عمل ورشات ولقاءات للأمهات والآباء لبيان أساليب ووسائل التنشئة السليمة التي تركز على منح الطفل مساحة من حرية التفكير وإبداء الرأي والتركيز على الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل واستخدام أساليب التعزيز، كما ان الاهم هو عمل ورشات عمل للمعلمين يتم من خلالها مناقشة الخصائص الانمائية لكل مرحلة عمرية والمطالب النفسية والاجتماعية لكل مرحلة، ولهذا لابد من أن تبادر الجهات المسؤولة المتمثلة بمنظمات التنمية الاجتماعية والأسرة والمؤسسات التعليمية والتضامن إلى اقتراح تشريعات تجرم العنف في المدارس.
17/5/150330
https://telegram.me/buratha