نيويورك: سي جي شايفرز (نيويورك تايمز) - أفادت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي الجهة الدولية المكلّفة بمراقبة الالتزام بمعاهدة الأسلحة الكيميائية في العالم، في خلاصة أعدتها عن نشاطاتها أن الولايات المتحدة قد تمكّنت من استعادة آلاف القطع من الأسلحة الكيميائية القديمة في العراق خلال الفترة 2004 إلى 2009 ودمّرتها كلها تقريباً بصورة سرّية عن طريق تفجيرها في فضاء مكشوف.
ففي يوم الجمعة الماضي أعطى البنتاغون صحيفة نيويورك تايمز نسخة من هذه الخلاصة المؤلفة من 30 صفحة، التي أعدّت في أعقاب لقاءات لم يعلن عنها عقدت بين الفريق الفنّي التابع للمنظمة المذكورة والمسؤولين الأميركيين في واشنطن خلال العام 2009.
تضمنت الخلاصة جدولاً لم يورد كثيراً من التفاصيل عن 95 مناسبة منفصلة جرى فيها استخراج وتدمير رؤوس حربية وقنابل مدفعية وقنابل طائرات بلغ مجموعها الكلي 4350 قذيفة خلال الفترة من أيار 2004 إلى شباط 2009 وهي فترة شهدت في معظمها أحداث قتال عنيفة في العراق. ثم تمكنت الولايات المتحدة في وقت لاحق من الحصول على مزيد من الأسلحة الكيميائية العراقية فارتفع عدد الذخائر إلى 4996 قذيفة مع مطلع العام 2011، وذلك وفقاً لوثائق منقّحة حصلت عليها الصحيفة بموجب قانون حرية المعلومات.
يقول التقرير الجديد ان الأسلحة التي تم تدميرها لغاية مطلع العام 2009 تضمنت عوامل كيميائية وأسلحة أخرى نال منها التآكل والتنخر أما المتبقي فقد بدا عليه أنه سبق تجريده من خصائصه العسكرية ولكن الولايات المتحدة دمرته رغم ذلك "تحوطاً من أي خلل في جانبي السلامة والأمن".
وقد أشار كاتبو التقرير إلى أن أي من تلك الأسلحة لم يكن حديث الصنع، فجميعها من مخلفات برنامج العراق للأسلحة الكيميائية وهي منتجة بين أعوام الثمانينيات ومطلع التسعينيات. ذلك البرنامج كان في أوج إنتاجه ابان الحرب العراقية الإيرانية قبل أن يتم القضاء عليه في حرب الخليج 1991 والعمليات التي قام بها مفتشو الأمم المتحدة بعد ذلك.
تقرير المنظمة المذكورة، التي تتخذ من "لاهاي" مقراً وكثيراً ما يشار إليها على اعتبارها الرقيب الدولي على مدى الالتزام باتفاقية الأسلحة الكيميائية، جاء نتيجة أوضاع غير اعتيادية كان يمر بها الوجود الأميركي في العراق.
ففي العام 2009 انضمت حكومة العراق الجديدة، وبدفع من الجانب الأميركي، إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وهي الاتفاقية التي تحظر الأسلحة الكيميائية في العالم. بهذا الانضمام أصبح العراق ملزماً بالإعلان عن أية أسلحة كيميائية متخلفة لديه من عهد حكم الدكتاتور صدام ثم تدميرها تحت إشراف المنظمة.
حتى ذلك الوقت كانت القوات الأميركية تعثر على الأسلحة القديمة في العراق وتقوم بتدميرها سراً وبصمت، وفي بعض الأحيان كان المتطرّفون يستخدمون تلك الأسلحة في مفخخاتهم.
كانت القوات الأميركية تضع يدها على تلك الأسلحة بيد أن حكومة الولايات المتحدة أبقت معظم نشاطاتها في هذا الجانب وما ترتب عليها من مضاعفات طي السريّة والكتمان، بما في ذلك الإصابات التي كان يتعرض لها الجنود الأميركيون بالأسلحة الكيمياوية، وخصوصاً ما كان يحدثه عامل الخردل الكبريتي المسبب للتقيّحات.
بانضمام العراق إلى الاتفاقية غيّرت الولايات المتحدة موقفها وأخذت تبدي استعداداً أكثر للكشف والإفصاح، وعندئذ دعت خبراء المنظمة بشكل سري لمراجعة سجلات نشاطاتها العسكرية. والتقرير الذي أعدته السكرتارية الفنيّة للمنظمة إنما يدرج ما توصلت إليه تلك المراجعة التي أجريت في صيف العام 2009.
في هذا التقرير كان الكتّاب شديدو الحرص على انتقاء كلماتهم بعناية، حيث عرضوا المعلومات والمواقف التي أطلعتهم عليها الحكومة الأميركية من دون إصدار أحكام على المحتوى. وقد أشار التقرير بكل صراحة إلى أن السجلات الأميركية كانت في كثير من الأحيان تعاني من الشحّ والنقص وأن اطلاع المنظمة ليس إجراء تحقيق يهدف للتثبت والتأكد من شيء، على حد تعبير التقرير. وفي موضع آخر يضيف التقرير: "اطلاع المنظمة لم يكن اجراءاً متخذاً وفق القواعد التي يمليها المرفق الخاص بالتثبّت والتأكد – والمرفق هو الجزء من الاتفاقية الذي يحدد الخطوات التي ينبغي اتباعها عند تدمير الأسلحة الكيميائية ووسائل التأكد من الالتزام بتلك الخطوات."
كان الهدف من التقرير، كما يشير كاتبوه، هو السماح للولايات المتحدة بتقديم الإثبات على أنها كانت تتصرف وفق روح الاتفاقية. إلا أن متحدثاً باسم المنظمة نفى في اتصال أجري معه يوم الجمعة الماضي أن يكون قد اطلع على هذه الوثيقة. ويعد إطلاق البنتاغون لهذا التقرير خروجاً نسبياً على موقف التكتم الذي بقي ملتزماً به طيلة عقد من الزمن تقريباً.في العام 2004 نشر "شارلز دويلفر" الذي كان يرأس "مجموعة مسح العراق"، وهي قوّة مهمّات شكّلتها وكالة المخابرات المركزية في أعقاب دخول القوات الأميركية إلى العراق، خلاصة مطوّلة تناولت وضع برامج أسلحة العراق للدمار الشامل. في تلك الخلاصة وردت أجزاء تتضمن وصفاً لعثور الأميركيين على أعداد صغيرة من الرؤوس الحربية وقنابل المدفعية المزودة بالمواد الكيميائية وتدميرها خلال تلك السنة. وفي مطلع العام 2005 أضيف ملحق لتحديث المعلومات.بعد ذلك لزمت الولايات المتحدة الصمت التام تقريباً إزاء عثور جنودها على مزيد من القنابل المزودة بالأسلحة الكيميائية ولم تخرج إلى العلن سوى نتف بسيطة في العام 2006. في ذلك الوقت كان هناك تزايد في حالات التعرض للأسلحة الكيمياوية من خلال العبوات الناسفة والمفخخات، ومع التكتم تصاعدت بسرعة أعداد الجنود الذين يصابون بتلك الأسلحة.
تذكر السكرتارية الفنيّة مثلاً أن الولايات المتحدة، حتى عندما أرسلت رسالة في العام 2006 إلى "لاهاي" تطلعها فيها على أنها تصادف ذخائر كيميائية وتتوقع العثور على المزيد، بقيت حريصة على حجب التفاصيل مؤكدة أن "المساعي للعثور على الذخائر الكيميائية وتدميرها تبقى شأناً شديد الحساسية" على حد تعبير السكرتارية.
يوحي محتوى التقرير الذي تم نشره مؤخراً أن الأميركيين كانوا في العام 2009 يضيّقون المشاركة بالمعلومات حتى مع الجهات الرقابية. كذلك لم يتضمن التقرير إشارة تقريباً إلى الأشخاص الذين كانوا يصابون أثناء تعاملهم مع الأسلحة الكيميائية، وجاءت قائمة الحوادث والإصابات ناقصة حيث لم يذكر فيها على سبيل المثال أن اثنين من فنيي نزع المتفجرات تابعين لسلاح البحرية قد جرحا في أيلول 2006 أثناء انتزاعهما قنبلة معبأة بغاز الخردل أعيد إعدادها للاستخدام في عبوة تفخيخ.
وقد صرح "جيفري لويس"، وهو محلل متخصص في عدم الانتشار من "معهد مونتيري للدراسات الدولية" بعد اطلاعه على التقرير يوم الجمعة، أن المعروض في التقرير عن الإجراءات التي كان يتخذها الأميركيون بعيد كما يبدو عن تطبيقات السلامة المتوخاة، سواء بالنسبة للجنود الأميركيين أو العراقيين على حد سواء.
يقول لويس إن ما يخرج به من هذا كله هو أنهم كانوا يفجرون كل تلك الأسلحة في حفر مكشوفة، وهذا لا يتفق مع الضوابط التي تدعو إليها الاتفاقية. فليس في العالم كله مكان يمكن اعتباره آمناً للتخلص من الأسلحة الكيميائية أو مناسباً للبيئة، على حد قوله.
يقول البنتاغون إن مقتضيات الحرب هي التي أملت أن يتم تدمير تلك الأسلحة على وجه السرعة وفي العراء. ويرد لويس على هذا بأنه يستطيع أن يتفهم افتقار الجنود الذين تولوا مهمة التخلص من الأسلحة إلى التجهيزات اللازمة والوقت الكافي للتعامل مع الأسلحة الكيميائية بشكل أفضل تدبراً وأقل خطراً بينما هم منهمكون في تنفيذ واجباتهم الأصلية في التصدّي للعبوات الناسفة والمفخخات. ولكنه يعتقد أن البنتاغون قد خذلهم من خلال لا مبالاته وضعف استعداده. ويمضي لويس مضيفاً: "حين ننظر إلى الصورة الأوسع لمسؤولياتنا كدولة نرى أننا دخلنا العراق بلا خطة ولا تركيز على هدف محدد، وهذا هو الذي أوقعنا في كل هذه العثرات."كذلك تضمن التقرير المنشور ست صفحات عن زيارة مماثلة أجراها الفريق الفني التابع للمنظمة لإنكلترا حيث قام بمراجعة السجلات التي وفرتها له الحكومة البريطانية والمتعلقة بكميات صغيرة من الأسلحة التي كانت القوات البريطانية قد أعلنت عنها في حينها (وهي 21 صاروخا "براق" محملة بعامل الأعصاب السارين، وذلك في مطلع العام 2006).
وكانت الحكومة البريطانية، مقارنة بما فعلته حكومة الولايات المتحدة، قد أعلنت في العام 2010 تفاصيل تدميرها صواريخ براق بعد احتجاجات قدمتها إيران إلى مجموعة الرقابة الدولية اشتكت فيها من وجود خرق واضح من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا لالتزاماتهما ببنود الاتفاقية.
ترجمة - أنيس الصفار
28/5/141124
https://telegram.me/buratha