محمد محمود مرتضى
ما بين "الاخوان" و"داعش" يبدو أن "الاسلام السياسي" يعيش أزمة ذات أبعاد ثلاثة.
الأول: أزمة هوية وتتعلق في مستوى الفعالية التاريخية، وتشخيص هذه الهوية مع تنامي الشعور بنوع من التناقض بين واقع المسلمين وواقعية الاسلام.
الثاني: أزمة وعي ديني تتعلق بالخلافات المزمنة داخل التجمعات الاسلامية وكيفية ادارة هذه الخلافات القائمة على احتكار النص وفهمه وفق "أحادية" معرفة الحقائق.
الثالث: أزمة ممارسة، دينية أو سياسية، والتي غالبا ما اضحت تنطلق من محددات دينية محضة، تتحكم بها ميول اقصائية يصعب عليها التعايش مع "الآخر" مهما كان هذا "الآخر".
في التجربة الاخوانية، ظهر الاخوان وكأنه تيار "براغماتي" يستطيع التعايش مع بيئة "معادية" يمارس فيها نوعاً من الفصل والوصل: فصل "الجماعة" عن البيئة "الجاهلية" المحيطة بها لتلافي "مساوئها" العملية، وحجر "الفكر التوحيدي الخالص" عن أي تفاعل مع الفكر "الشركي" من ناحية عقدية.
ووصل بحدوده الدنيا مع المجموعات الاخرى بما ينسجم ومبدأ "الدعوة" الى التوحيد من جهة، والمحاولات الحثيثة للوصول الى السلطة تمهيداً "لاسلمة المجتمع" من جهة ثانية.
الا أن هذه البراغماتية ظهرت أنها كذلك عندما يكون الاخوان في موقع المعارضة (مصر نموذجا) لكنها ليست كذلك عند وصولهم للسلطة.
في الممارسة أثبت "الاسلام السياسي" الاخواني أنه قادر على التكيّف والمناورة حال كونه معارضاً أكثر منه حال كونه في السلطة.
أما في التجربة "الداعشية"، فيمكن القول إن أزمة "الاسلام السياسي" عنده متعمقة أكثر بسبب تفاعل الأبعاد الثلاثة بعضها ببعض.
يسعى "داعش" لتكريس هوية خاصة به تتفاعل مع التاريخ عبر استحضاره بكله وكلكله وغثه وسمينه، متجاوزين "البعد الزماني" لمحدد هام في صياغة وتحديد الهوية. معتبرين ان "واقعية الاسلام" تقضي بإجراء عملية "انزياح مجتمعي" ومن ثم "نقل" إجتماعي الى واقع المسلمين كما كان عليه في زمن "السلف الصالح".
وفي الوعي الديني يرى "داعش" أن ما يجري الآن ليس طارئاً بل هو إمتداد لصراع تاريخي بين معسكري "الايمان والكفر"، ولئن كان الكفر يتمثل في المشركين والمنافقين في عصر الدولة النبوية فانه اتسع في عصر "الخلافة الراشدة" والسلف الصالح ليشمل حركات الردة والابتعاد عن الاحتكام الى الدين.
اما الممارسة، كبعد ثالث، فيرى "داعش" أنه الأخطر على "الدين"، والأكثر تمظهراً لناحية "الممارسات الشركية". ليس فقط من جهة بعض الشعائر الدينية، بل في الرضوخ الى الحكام "الظالمين" والحكومات "الكافرة" واللجوء الى الممارسة "الديمقراطية" في العمل السياسي وهي ممارسة "شركية" ايضاً.
ويُرجع "الاسلام السياسي" الداعشي جميع هذه الانحرافات الى الفقه السياسي التقليدي "المغلوط" الذي ترسخ عبر التاريخ وفق نظرية "ولاية المتغلب".
يرى "داعش" أن مهمته "المقدسة" تكمن في إجراء عملية " تنقية وتطهير"، أما التنقية فتتعلق بإعادة تركيز وعي ديني "نكوصي" يعود بالمجتمع الى زمن السلف الصالح وتنقيته من "شوائب الحداثة" بدلا من استحضار تجربة هذا السلف وتفكيكها عن محددها الزماني.
لكن تنقية الوعي الديني يراد منه البعد "الماهوي"، اعني تكريس الهوية الخاصة بهذا المجتمع.
وأما التطهير، فذو وجهين : تطهير للمجتمع وتطهير فيه. الاول يقضي باقصاء الاقليات من "مشركين وكفار"، والثاني تطهير في مجتمع " المهاجرين والانصار" من كل سلوكيات منحرفة لا تنسجم مع ممارسات السلف الصالح وفق توصيفاتهم.
ما بين الاخوان وداعش يبدو أن الاسلام السياسي "السني" تحديداً يعيش أزمة حقيقية، لتراث كبير من التنظير لم ينسجم مع التجربة المعاشة الى الآن.
واذا لم تستطع الحركات الاسلامية "السنية" القيام بإنتاج معرفي معاصر يقارب بين النظرية والتطبيق، فان الامور ربما تتجه نحو أزمة أكبر ستُنتج حتماً نوعاً من "القطيعة" بين الدين كعلاقة شخصية للفرد بربه، وبين الدين كنظرية سياسية قابلة للتطبيق ومقبولة من مجموع الأمة بعد الدولة النبوية "والخلافة الراشدة".
7/5/141108
https://telegram.me/buratha