التقارير

العراق: مراسم إحياء عاشوراء رسالة بليغة في مواجهة التحديات

4914 10:26:36 2014-10-30

 

بغداد ـ عادل الجبوري

كما هو الحال في كل عام، ومع بداية العام الهجري وإطلالة شهر محرم الحرام، تتشح مدن العراق بشوارعها وأزقتها بالسواد، وتعلو الرايات الحسينية السوداء والحمراء والخضراء أسطح المنازل، وتكتظ الجوامع والحسينيات بجموع المؤمنين لحضور مجالس العزاء التي تنطلق في الليلة الاولى من شهر محرم وتتواصل لمدة عشرة ايام لتبلغ ذروتها في يوم العاشر، وهو اليوم الذي استشهد فيه الامام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف عام 61 هجرية، ومن ثم تستمر المراسم حتى حلول العشرين من شهر صفر، حيث أربعينية الامام الحسين(ع) التي يحييها ملايين المؤمنين بالسير على الأقدام نحو كربلاء المقدسة لأيام وليال وأسابيع.

تبديل الرايات

وتشهد الليلة الاولى لشهر محرم الحرام، عملية استبدال الرايات الحمراء لقبتي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) بالرايات السوداء، في مراسم احتفالية حزينة، إيذانا بانطلاق موسم الاحزان. وفي مساء يوم السبت الماضي بدأت تلك المراسيم برعاية الامانتين العامتين للعتبتين المقدستين الحسينية والعباسية وبحضور عدد كبير من الشخصيات السياسية والدينية العراقية وغير العراقية.

تبديل الراية في العتبة الحسينية

وتتشرف الشخصيات الدينية والسياسية بحضور هذه المراسم التي تحظى عادة بتغطية اعلامية واسعة من قبل وسائل الاعلام والقنوات الفضائية المحلية والدولية.

ولم تكن هذه المراسم معروفة في عهد نظام الحكم السابق، وظهرت بعد الاطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003، وعاماً بعد آخر، تشهد مراسم استبدال الرايات المزيد من التوسع والمظاهر الاحتفالية.

تبديل الراية في العتبة العباسية

ولم تعد عملية استبدال الرايات تقتصر على قبتي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) فحسب، بل انها باتت تمثل تقليداً يشمل مختلف المراقد والأضرحة الدينية، بل وحتى بعض الاماكن والساحات العامة التي ترتفع وترفرف فيها الرايات الحسينية.

كربلاء .. الرمز والعنوان

ومثلما للعراق خصوصية في إحياء موسم الأحزان العاشورائي نظراً لوجود عدد كبير من المراقد والأضرحة الدينية لائمة اهل البيت (عليهم السلام) وذراريهم وأصحابهم، فإن لكربلاء خصوصية أكبر، لانها مثلت الرمز والعنوان الأبرز للثورة الحسينية، فضلا عن كونها مثلت ميدان المواجهة التاريخية بين معسكر الحق ومعسكر الباطل، وبقيت تمثل ذلك الميدان في مختلف المراحل والحقب التي شهدت تسلط الطغاة وشيوع سلوكيات وممارسات القمع والاستبداد ضد اتباع أهل البيت عليهم السلام. وقد تعرض مرقد الامام الحسين (ع) للتدمير والتخريب والانتهاك مرات عديدة كان اخرها في عام 1991، حينما أقدم نظام صدام على قمع الانتفاضة الشعبية بطريقة وحشية.

وبعد سقوط نظام صدام في عام 2003، لم تنج المراقد الدينية، ومن ضمنها مرقدا الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) من استهداف الجماعات الارهابية التكفيرية بواسطة السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة، لا سيما في المناسبات الدينية مثل العاشر من محرم والعشرين من صفر، والخامس عشر من شعبان الذي يصادف ذكرى ولادة الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف). بيد ان ذلك الاستهداف التكفيري المتواصل لم يثن ابناء محافظة كربلاء عن احياء الشعائر الحسينية، مثلما لم يثن ابناء المحافظات الاخرى عن التوجه إليها بالملايين.

وما اعطى بعدا اشمل واوسع لكربلاء في إحياء الشعائر الحسينية، انها تضم بين جنباتها مراقد ومقامات دينية، مثل مقام الامام المهدي المنتظر ومقام الامام الصادق (عليه السلام)، واماكن ارتبطت بوقائع واحداث واقعة الطف، مثل التل الزينبي، والمخيم الحسيني، ومقام الكفين اليمنى واليسرى للامام العباس (عليه السلام) وغيرها.

بغداد وراياتها الحسينية

واذا كان لكربلاء خصوصية وميزة كونها البقعة التي شهدت واقعة الطف الاليمة، فإن العاصمة بغداد تحمل خصوصية وميزة كونها تمثل عراقا مصغرا يضم مختلف عناوين وألوان النسيج الاجتماعي العراقي، من شيعة وسنة، ومسلمين ومسيحيين وصابئة، وعرب واكراد وتركمان.. ولم يمنع هذا التلون المذهبي والقومي والديني من أن تتحول بغداد في شهر محرم الحرام الى لوحة حسينية كبيرة، تحكي ملحمة التضحية والفداء في كربلاء.

في بغداد، بكرخها ورصافتها، من مدينة الصدر الى بغداد الجديدة والكرادة والزعفرانية والدورة والبياع والعامرية والغزالية والشعلة والكاظمية والأعظمية، ومختلف احيائها ومناطقها، تزدحم الرايات الحسينية السوداء والحمراء والخضراء، وتصدح أصوات العزاء الحسيني في كل زاوية من زواياها.

ويصعب اجراء احصاء دقيق لعدد المواكب والهيئات الحسينية التي تساهم باحياء عاشوراء في بغداد، بيد انها بلا ادنى شك تبلغ بضعة الاف، وربما تتجاوز العشرة الاف موكب وهيئة، مع الأخذ بعين الاعتبار ان عدد سكان العاصمة يعادل مجموع عدد سكان اربع او خمس محافظات.

عاشوراء ابلغ رسالة لـ"داعش"

وفي هذا العام يكشف الارهاب التكفيري ـ الداعشي عن وجههه الهمجي القبيح، ويصرح عتاته الكبار بسعيهم الى استهداف الشعائر الحسينية ومن يقيمها ويحييها ويشارك فيها. وعلى مدى الاعوام الاحد عشر الماضية، اقدم الارهابيون على اختلاف مسمياتهم وعناوينهم على استهداف زوار الامام الحسين (عليه السلام)، وقد سقط مئات الشهداء والجرحى في عدة مناطق ومدن، ليس في كربلاء وحدها، بيد ان ذلك لم يثن اتباع اهل البيت (عليهم السلام)، ومحبي وانصار الامام الحسين، عن إحياء ذكرى ثورته العظيمة.

واليوم تتزامن ذكرى الملحمة الحسينية مع صراع شرس بين قوات الجيش العراقي وتشكيلات الحشد الشعبي من المتطوعين من جهة، وتنظيم "داعش" الارهابي من جهة اخرى، وقد مني الاخير بهزائم قاسية، كان اخرها هزيمته وانكساره في ناحية جرف الصخر شمال غرب محافظة بابل، وهذا ما يمكن ان يدفعه الى السعي الحثيث لاستهداف المواكب والهيئات الحسينية للتعويض عن هزائمه واستعادة الروح المعنوية لعناصره، وقد تعرضت مواكب وهيئات حسينية خلال الأيام القليلة الماضية لعمليات ارهابية بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة، في بغداد ومدن اخرى، كان اخرها تفجير سيارة مفخخة مساء الاثنين الماضي امام موكب حسيني في ساحة الواثق وسط بغداد، اسفر عن استشهاد وجرح اكثر من خمسين شخصا.

وقد حذرت المرجعية الدينية في النجف الاشرف، على لسان وكيلها في محافظة كربلاء المقدسة السيد احمد الصافي في خطبة صلاة الجمعة الاخيرة من الصحن الحسيني الشريف، من استهداف الارهابيين للشعائر الحسينية، ودعت الى اخذ اقصى درجات الحيطة والحذر لتفويت الفرصة على اعداء الشعب العراقي، واعداء اهل البيت (عليهم السلام)، وبنفس المعنى حث رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيان له بمناسبة حلول شهر محرم الحرام وبداية العام الهجري الجديد الأجهزة الامنية وعموم المواطنين الى التنبه لمخططات ومحاولات الجماعات الإرهابية التكفيرية لبث الرعب والفزع في نفوس المؤمنين باستهداف الشعائر الحسينية.

وعلى العكس تماما مما يخطط له تنظيم "داعش" ويتمناه، فإن مجمل التوقعات تذهب الى ان اعداد الناس الذين سيحيون عاشوراء، في يوم العاشر، وفي ذكرى الاربعينية، وعلى امتداد شهري محرم وصفر، سواء كانوا من داخل العراق او من خارجه، ستفوق اعدادهم في العام الماضي والاعوام التي سبقته. وهذا بحد ذاته يمثل أبلغ رسالة لتنظيم "داعش" التكفيري، ومن يقف وراءه ويدعمه ويسانده.

27/5/141030

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك