لؤي توفيق حسن
الجولف لعبة هدفها إسقاط كرة صغيرة في حفرة صغيرة بادوات ليست مصممة لذلك إطلاقا.
ونستون تشرشل
" طابخ السم الامريكي" قرر ان ينقض على "داعش"!!.. ليست هي المرة الاولى التي تضخم فيها امريكا (شياطين) لمحاربة اعدائها بهم.ثم لا يلبث شياطينها ان يتفلتوا من قبضتها لتنكب على إيجاد وسيلة لترويضهم او للتخلص منهم بحسب الحال !. يبدو بانها هذه المرة استفادت من سابق تجاربها ؛يظهر هذا من زاويتين. اولاهما تمكنها وإلى حدٍ لا باس به من اختراق هذه المنظومة الارهابية استخباراتياً ، وثانيهما وضعها ضمن شروط مناسبة امريكياً وبما يمكن التحكم بمدة صلاحيتها !!.. فهذه المرة "داعش" –النسخة المنقحة من تنظيم "القاعدة"- ليست في معاقل جغرافية عصية بل في سهول مكشوفة ،وهي بكل الاحوال محاطة إما باعداء او بحلفاء لامريكا ياتمرون بامرها مما يجعل يسيرا -عندما تحين الساعة !- محاصرتها وقطع شرايين الحياة عنها ، ولا سيما ان مصادر تمويل داعش مالياً ولوجستياً واقعة بين حليفين لامريكا، قطر من جهة ، وتركيا من جهة أخرى.
فوق جسر "داعش"خرجت امريكا من العراق فسعت للعودة إليها فوق جسر اسمه : "داعش". لذلك ليس من مصلحتها حالياً الذهاب بعيداً في سيناريو حرب حقيقية معها سواء في العراق او سوريا. إنها الآن في منزلة وسطى قائمة على قليل من الضربات منعاً من تنامي قوة داعش وإلى ما يجعلها تحت السيطر. فها هو اوباما يرسل القاذفات لقصف مواقع داعش دون ان يصيب منها مقتلاً. حركات سينمائية غايتها الظهور امام شعبه بمظهر المقاتل للارهاب ، فيما داعش تتقدم على كل الجبهات ممسكة بالمبادرة على الارض ؛. تركيا تتوثب، وهي تستعرض دباباتها وناقلات جندها قبالة "عين العرب" بانتظار سقوطها مضرجةً بدمائها لتدخلها فيكتمل بذلك المشهد ، حيث تتطلع لغطاءٍ اطلسي –وامريكي بالتحديد- لتنقض فتنال نصيباً من (الكعكة السورية) عبر ما تسميه منطقة حماية، والحجة هي (انقاذ) الناس من البطش الداعشي!!.واعطاء (المعارضة السورية منصةً للانطلاق بحسب زعمها !..
هل تغطي امريكا توسعاً تركيا نحو الشمال السوري؟.. ربما عند هذه النقطة يرتسم حتى اللحظة افتراق امريكي تركي.فبقدر ما يستعجل اردوغان نصيبه! يبدو اوباما غير واثق من اية مرحلة قادمة إلا من شيء واحد وهو إغراق المنطقة بالمزيد من الاستنزاف حتى يتمكن في المستقبل من ترتيب اوضاعها بما يخدم اغراض السياسة الامريكية. اما ترتيب اوضاعها فالاشكالية تكمن في وسائلها. وهو سيغدو مازقاً حيث الوسائل الممكنة فعلياً عاجزة عن ان تكون رافعة حقيقية لتركيب وضع يخدم الاغراض الامريكية وهي بالتحديد تكريس دويلات قادرة على الدفاع عن نفسها او التماسك كواقع راسخ تتحول معه إلى ورقة في لعبة التقسيم و التقاسم !!..لذلك لم ولن تذهب امريكا بعيداً في ضرب " داعش". والدليل من المعطيات الاحصائية حيث مجمل ما رمت به امريكا من قنابل في غاراتها المزعومة على "داعش" لا يعادل ما قصفت به اسرائيل في يوم واحد خلال حرب صيف 2005. هذا مع العلم بان الاماكن المستهدفة من "التحالف" ليست نوعية من الوجهة التكتية العملانية ناهيك عن الاهداف الاستراتيجية التي ما زالت في مأمن! ،مثل قواعد ومخازن الامداد وغرف العمليات الاقليمية والمركزية ، ولا حاجة لادلة على هذا فوقائع الميدان تنبئ ان كل الغارات التي شنها طيران "التحالف" ضد قوات "داعش" لم تحل دون توسع الاخيرة ؛ فالبارحة سيطرت على محافظة الهيت في العراق ، وما زالت تتوسع فاتحةً اكثر من جبهة ممسكة بالمبادرة على الارض ، كذلك في سوريا رأيناها قد توسعت بسهولة نحو "عين العرب" ثم محاصرتها من كل الجهات ، وكان يمكن لهذه المدينة ان تكون ساقطة الآن لاحقةً بمثيلاتها في الرقة ومناطق (الجزيرةالفراتية)! لولا القتال البطولي لحاميتها الكردية. إنه لمن السذاجة بمكان ان يتوقع احد بان تغير امريكا من استراتيجيتها العسكرية. لان ذلك لو حصل جدياً وتحولت امريكا لضرب مقاتل في منظومة "داعش العسكرية " فذلك ستحصد ثماره على الارض القوات المسلحة النظامية العراقية او السورية ، وهذا لا يتناسب ومخططات واشنطن التقسيمية حيث تراهن على تطوير ميليشيات " الصحوات" في العراق ، وما يسمى "الجيش الحر" في سوريا والتي تسميها "المعارضة المعتدلة" ، لتملأ بها الفراغ الذي قد ينجم من انكفاء "داعش". غير ان هذه وبكل فصائلها- سورياً او عراقياً- ما زالت عاجزة من حيث انها لا تملك مقومات النمو لتكون في مستوى (التحدي) كما تشتهي واشنطن وهذا بحكم طبيعة مكوناتها غير المتجانسة ، وبحكم الية اجتماعها على اسباب ظرفية انتهازية لعل من اهمها عامل المال الذي تبذله بسخاء بعض الدول الخليجية!.
اردوغان العثماني!تركيا الان وفي حسابات (امنها القومي) تتطلع لمد نفوذها نحو الشمال السوري -استباقاً لاحتمال ترسيم حدود جديدة اقليمياً ! – والهدف الاقرب عندها منع توسع (كردستان) إلى ابعد من جزئه العراقي وذلك لما يشكله هذا من خطر على وحدة كيانها السياسي على المدى البعيد , وفقاً للعبة الدومينو!! ، غير ان الثمن المباشر لهذا التمدد يزيد من رصيد استعداء اكراد تركيا لانقرة خاصةً بعد ترك ابناء "عين العرب" يواجهون مصيرهم مانعةً عنهم امدادات السلاح والرجال. ما يعني ان هذا التمدد -إن وقع - سيأتي على حساب دماء الاكراد السوريين وهو ما اثار غضب ابناء جلدتهم في تركيا. الامر الذي تحاول انقره امتصاص تداعياته بالسماح مؤخراً لنجدة من 550 مقاتلا من البشمركه للدخول إلى "عين العرب" عبر اراضيها.
اردوغان المحاصر بين اعتبارات الامن القومي كما ذكرنا وبين نزعته الذي تستحوذ على جزءٍ كبير من رؤيته ، كان ذاهباً إلى مغامرة (التوسع) نحو الشمال السوري لولا كبح واشنطن له وقد ادركت اكثر منه محاذيرها عليه بالذات وابرزها ان مثل هذه الخطوة ستعيد وبشكل دراماتيكي خلط اوراق تنقلب فيه مواقف لاعبين آخرين رأساً على عقب ؛ بعض المحللين رأى ان هذا الاردوغان لو ذهب فعلاً في مغامرته سيجد عند اول مفترق الثلاثي الروسي الايراني السوري في انتظاره لحرب استنزاف اين منها تجربة امريكا في افغانستان.. نعم كان اردوغان سيصطدم بخلط اوراق وتموضعات جديدة في الخنادق. لا غرابة فالثابت الوحيد في السياسة هو الاهداف الاستراتيجية وما عداها وسائل قابلة للتغير والتبديل.
32/5/141026
https://telegram.me/buratha