تونس ـ روعة قاسم
كارثة بكل المقاييس عاشتها تونس يوم الإربعاء بعد استهداف عناصر تكفيرية لعناصر من جيشها الوطني وهو بصدد تناول طعام الإفطار بعد صيام يوم شاق في شعاب جبال الشعانبي المتاخمة للحدود الجزائرية. وفي حصيلة أولية فقد وصلت أعداد القتلى إلى 17 عشر ومن المنتظر أن يرتفع الرقم باعتبار كثرة الجرحى من ذوي الإصابات الخطيرة.
الهجوم المباغت، الذي تم بقذائف الآر بي جي وبأسلحة أخرى متطورة من المرجح أن هذه الجماعات قد حصلت عليه من مخازن أسلحة القذافي بعد انهيار نظامه، تبناه ما يسمى بـ"لواء عقبة بن نافع" التابع لتنظيم أنصار الشريعة المحظور الذي يعتبر فرع تونس لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ويبدو أن هناك تكتما شديدا فيما يتعلق بالعدد الحقيقي للضحايا وأن وزارة الدفاع التونسية تعتمد الإعلان التدريجي حتى لا تصدم الرأي العام الوطني المصاب بحالة من الغضب والغليان.
مفقودونفالإرهابيون استهدفوا مخيما عسكريا أقامة الجيش باعتبار أن منطقة جبال الشعانبي هي منطقة عسكرية يخوض فيها الجيش التونسي منذ أشهر حربا شعواء على هذه الجماعات بالتنسيق مع نظيره الجزائري. وبالتالي فقد توقع الخبراء أن تصل أعداد القتلى من الجيش التونسي إلى الأربعين أو ما يزيد في هذه العملية الأعنف التي تشهدها تونس عبر تاريخها منذ معركة بنزرت التي خاضها الجيش التونسي ضد القوات الفرنسية سنة 1961 لتحرير قاعدة عسكرية أرادت فرنسا الإحتفاظ بها شمال البلاد رغم استقلالها.
وما يدعم هذا الرأي أن هناك مفقودين مجهولي المصير ترابط عائلاتهم التي تقاطرت من مختلف جهات الجمهورية بالمستشفى الجهوي بالقصرين في حالة يرثى لها. ويرجح أن يكون هؤلاء قد سقطوا قتلى ولم يتم العثور بعد على جثثهم أو ما بقي منها من أشلاء في تلك الأحراش الوعرة التي تعتبر جزء من سلسلة جبال الأطلس التي تمتد من المغرب الأقصى إلى تونس مرورا بالجزائر.
احتفالاتولعل ما أثار الإستياء أن بعض التونسيين من المنتمين إلى التيار السلفي التكفيري في مناطق مثل جرزونة وسيدي علي بن عون وغيرها، احتفلوا فرحا بما "أصاب جند الطاغوت" أي قوات الأمن والجيش وفقا لتعبير هؤلاء، على أيدي "إخوانهم من المجاهدين". ويؤكد كثير من المحللين أن هؤلاء ما كانوا ليتجرؤوا حتى على مجرد التفكير في القيام بذلك خلال عهود الديكتاتورية، وأن غض الطرف على أنشطة هؤلاء خلال فترة حكم حركة النهضة هو الذي شجعهم على الإحتفال رغم المرارة التي يشعر بها أبناء جلدتهم.
وكان إمام جامع ذو ميولات سلفية رفض في وقت سابق الصلاة على جندي تونسي قتل أثناء القتال مع هذه الجماعات. واعتقل الرجل وتم تتبعه لكن القضاء أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة ما يثير أكثر من نقطة استفهام حول الشبهات التي تحوم حول اختراقات طالت أجهزة الدولة وخصوصا المؤسسة الأمنية في عهد وزير الداخلية النهضوي الأسبق علي العريض.
استغلال شهر الصيامويربط كثير من المحللين بين هذه العملية، والعملية التي حصلت منذ قرابة الأسبوع في الجزائر وتسببت في مقتل جنود جزائريين. فهذه التنظيمات تعتمد المباغتة والغدر في قتالها، و من المرجح بالنسبة لهؤلاء أن هذه الجماعات خططت لاستغلال شهر رمضان على أكمل وجه لتوجيه ضربات لجيشي البلدين اللذين يخوضان حربا حقيقية ضدها. فهناك حالة من الإرتخاء تصيب الجنود بفعل الصيام والجهد الكبير الذي يبذلونه طيلة اليوم في عمليات تمشيط الأحراش في لهيب شمس حارقة تميز بلاد المغرب في هذا الفصل من السنة.
وتدعو جهات عديدة في تونس إلى تشكيل لجان شعبية من المواطنين على غرار تلك التي تم تشكيلها خلال فترة الإستعمار لقتال الفرنسيين والتي سميت "الفلاقة". وتضطلع هذه اللجان بمهمة قتال الإرهابيين ومؤازة جهود قوى الأمن والجيش على غرار ما حصل في الجزائر وأثبت جدواه وعادت معه الجزائر إلى وضعها الطبيعي بعد عشرية سوداء وسنوات عجاف سالت فيها دماء الجزائريين بالجملة. فالإعتماد على الدولة التي مازال مجلسها التأسيسي ونواب حركة النهضة فيه يعطلون قانون الإرهاب لم يعد غير ذي جدوى.
25/5/140719
https://telegram.me/buratha