الدكتور خيام محمد الزعبي- صحفي وكاتب أكاديمي في العلاقات الدولية
اليوم، لم يبقى أمام القوى التي تتآمر على العراق، سوى الإذعان لكونهم أدوات لتقسيم الوطن العربي وتمزيقه وتجزئته، طبعاً بقيادة "إسرائيل"، وتم تحويل ساحة المعارك من سوريا إلى العراق، وذلك بعد وصولهم إلى قناعة نهائية بفشل مشروعهم في سوريا، فالمتتبع لتاريخ العراق الحديث، سيلاحظ إن المستعمر لم يبدل وجهه القبيح في اللعب على وتر الطائفية لتطبيق قاعدة فرق تسد، فقد جعلت الدول الغربية منطقة الشرق الأوسط منطقة تعيش الحروب والأزمات خاصة بسبب إحتضانها للكيان الصهيوني وإمداده بكل أشكال الدعم وتوفير الحماية السياسية والأمنية لهذا الكيان الغاصب، والذي أصبح قاعدة تهديد وإنطلاق نحو خلق الأزمات والعدوان على الأقطار العربية والتدخل بشؤونها الداخلية.
مثلت الحالة العراقية مقدمة ثمار المشروع الصهيوني من خلال سيطرة داعش والتنظيمات المسلحة على بعض المناطق في العراق فدمروه وقتلوا شبابه لا ذنب لهم سوى إنهم عرب عراقيون يملكون ثروة وفكراً وحدوياً وتحررياً وشردوا أهله وسرقوا خيراته ورهنوا مقدراته، وما زال عرضة لإندلاع جولات جديدة من الحروب والإقتتال الداخلي بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد ذلك ضمن مخطط تقسيم الأقطار العربية التي وضعته الدول الاستعمارية،
رغم انه لم يعد خافياً على أحد ما يجرى اليوم في العراق، فإن الغريب هو الصمت الإقليمي والدولي على مشاهد الخراب والدمار والأرواح المزهقة، وكأن ما يحدث بات أمراً مسلماً به من خلال الإستسلام لمخطط التقسيم المرسوم له، ذلك في ظل الأزمات المحيطة بغالبية دول المنطقة في مواجهة المخططات الأمريكية الإسرائيلية ضدها، التي مازال العراق حتى الآن يدفع ثمناً لها من دماء أبنائه، هذا في ظل حرب طائفية ماضية في طريقها ربما لأبعد ما خطط له، ومن ثم فلم تعد تصريحات "جو بايدن" حول تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم "سني وشيعي وكردي" المتكررة بالجديدة أو المستغربة، خاصة بعدما تحولت إلى واقع ملموس، بأيدي العراقيين أنفسهم.
وفي سياق متصل لم تعد إسرائيل مجرد عدو محتل للأراضي العربية، ولكنه كيان له خطة وإستراتيجية تهدف للتوسع والسيطرة وخلخلة القوى المعارضة لها في المنطقة، والاستفادة من الخلافات بين دولها لتحقيق مكاسب أكبر، ومن هذا المنطلق فإن هدف إسرائيل الإستراتيجي هو عدم السماح للعراق أن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي، كون إن العراق الغني بالنفط من ناحية والقوي عسكرياً من ناحية أخرى تشكل أكبر تهديد لإسرائيل، وبالتالي فإن تحطيم العراق إلى فئات طائفية كما في سوريا ولبنان هو من أهم الإستراتيجيات الإسرائيلية بالمستقبل القريب، ففي العراق يعتبر التقسيم الإقليمي على أساس عرقي وديني أمر ممكن، وبالتالي فان ثلاثة دول أو أكثر ستقوم حول مدن رئيسية (البصرة، بغداد، الموصل)، وستنفصل المناطق الجنوبية عن بغداد ومناطق الوسط السنية عن المناطق الكردية في الشمال، ومن الممكن أن تعمل جبهة الحرب الإيرانية- العراقية الحالية على تعميق الاستقطاب، فالذي لحق بدول العراق سيطال كل الدول العربية بدون إستثناء كونها حرب بالوكالة جمع من أجلها كل الأصولية والتطرف من كل حدب وصوب وزج بها في معركة إستنزاف سيحترق بنارها الجميع.
وفي المحصلة تعكس الحال التي وصلت إليها العراق مؤخراً دليلاً آخر يقدمه الغرب على مدى الخراب الذي يخلفه وراءه في كل مكان يتدخل فيه معتبرين أن واقع الحال في العراق يشكل الرد البليغ على دعوات التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول والإستقواء بالأجنبي.
وفي إطار ذلك يمكنني القول إن إستمرار الصراع هو المصير الوحيد الذي ينتظر العراق في المستقبل، وهذا الصراع يمكن أن يستمر نظرياً إلى أجل غير مسمى، وخير مثال على ذلك الصومال، التي تعيش على هذا المنوال منذ أكثر من 20 عاماً، لا مخرج من هذا الوضع السيئ إلا بمصالحة وطنية حقيقية، لذا لا بد أن يجلس العراقيين على طاولة الحوار ويبحثون عن الحلول التي تجعل الجميع يشاركون في صنع القرار، ومع هذا كله، لا بد من وضع تسويات جدية تمهد لبداية حل سياسي في العراق، من أجل تفادي الخطوات التصعيدية القادمة، في ظل الحديث عن وجود مخططات لوجستية غربية لتقسيم العراق، وخاصة سعي إسرائيل إلى تعزيز إنفصال إقليم كردستان عن العراق لزرع وجودها في المنطقة.
واختم مقالتي بالقول، يجب علينا أن نستيقظ ونحفر الصخر بأظافرنا دفاعاً عن أنفسنا حتى لا يجرفنا الطوفان القادم، ولا بد أمام هذا الواقع من صحوة الضمير من قبل الشعوب العربية وأن تعي خطورة ما تقوم به الدول الإستعمارية من أهداف سعياً لتعزيز أمن إسرائيل في العراق والسيطرة على مقدراته ونهب ثرواته.
14/5/140707
https://telegram.me/buratha