لأوكرانيا أهمية اقتصادية وموقع جغرافي متميز، فهي تصل روسيا بالغرب وتنقل معظم الغاز الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا، ولديها أراضٍ زراعية واسعة، قادرة على أن تكون سلة غذائية ضخمة، إضافة إلى مواردها النفطية في شرق البلاد.
اعتبرت روسيا أن دخول الاتحاد الأوروبي على خط العلاقة مع أوكرانيا من خلال دعوته لها للتوقيع على اتفاقية الشراكة معه كمقدمة للدخول في الاتحاد، هي محاولة غربية لإضعاف السيطرة الروسية على أوكرانيا بعد عودة حكم الموالين لها عام 2010، وكانت روسيا قد جددت إمكانية بقاء أسطولها العسكري على شواطئ أوكرانيا في البحر الأسود حتى العام 2042، وقدمت تسهيلات كبيرة للعقود معها وهي تتعامل مع أوكرانيا كأنها في حرمها، لذا رفضت روسيا اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والتوقيع عليها، فاستفادت أميركا وتبنت حركة العصيان التي قامت بها المليشيات المتطرفة التي سيطرت على المراكز الحكومية في العاصمة كييف بقوة السلاح، وأقالت رئيس الجمهورية ودعت إلى انتخابات رئاسية جديدة، هذه الأحداث اعتبرها الروسي انقلاباً عسكرياً على النظام الموالي له، وعلى إثرها توترت الأجواء الأوروبية الروسية ودخلت المفاوضات في خط المواجهة، ثم عقد لقاء رباعي ضم ممثلين عن أميركا وروسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي لبحث الأزمة الأوكرانية، انتهى بموافقة الجميع على اتخاذ خطوات لتهدئة التوتر، منها إقامة حوار وطني واسع يضمن حماية حقوق الجميع ومنها نبذ العنف، ولكن روسيا فوجئت بالانقلاب على هذه التفاهمات، فكانت ردة فعلها إمضاء الاستفتاء الشعبي في القرم للانفصال عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا وتشجيع قيام بعض الأقاليم الأخرى بالعمل نفسه، فقامت السلطة المركزية بقمع تمرد حركات الانفصاليين في عدة مناطق.
هذه التطورات الميدانية أدت إلى تعقيد الأمور، فقررت أميركا وأوروبا فرض بعض العقوبات الاقتصادية على روسيا، والتزمت أميركا بأمن أوكرانيا وحثت أوروبا على زيادة نفقاتها العسكرية على خلفية الأحداث في أوكرانيا بمليار دولار، كما بدأ الكلام عن نشر درع صاروخي في المحيط الأوكراني.
هذه الإجراءات هي في أحد وجوهها للضغط على روسيا من أجل التراجع عن دعمها للنظام في سورية، وذلك للجلوس على طاولة المفاوضات ومقايضة النظام السوري بأوكرانيا، وهو ما رفضته روسيا وعبّر عنه تشوركين في معرض رده عن سؤال حول ما إذا كانت روسيا جاهزة للتصويت على مشروع قرار حول سورية على أساس البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، المتضمن تدخلاً عسكرياً مقابل الحصول على دعم مشروع قرارها حول أوكرانيا بأنه "لن يكون هناك أي علاقة بين المسألتين".
لقد حاول الأميركي تحويل الأزمة الأوكرانية إلى فرصة يستفيد منها بربط الأزمة الأوكرانية بالأزمة السورية لمقايضة الروسي عليها، لكنه حوّل هذه الفرصة المفترضة إلى تهديد فجاءت بنتائج معاكسة، استفاد الروسي منها بزيادة دعمه للنظام السوري بتبنيه ترشيح الرئيس بشار الأسد للرئاسة، وفي ذلك تثبيت له ولنظامه ونقض لما ورد من نقاط متعلقة بالحكومة الائتلافية وصلاحيات الرئاسة في جنيف 1 و2، واستفاد منها بإعادة ضم القرم إليه والبدء بتحريك الشرق الأوكراني كخطوة تمهيدية لاستعادة المناطق التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي بعد تفكيكه لتحقيق حلم الإمبراطورية الروسية.
أمام هذا التصارع في الساحة الأوكرانية وتطور الوضع الميداني العسكري بين الانفصاليين والسلطة والخوف من الدخول في نفق الحرب الأهلية، يبدو أن جميع الأطراف لا يريدون لهذه الأزمة أن تتفاقم خوفاً من النتائج المعاكسة لها، وهو ما صرح به المسؤول الأوروبي الذي استضاف قمة الـ7، بأن هناك فرصة ينبغي انتهازها من أجل حل سياسي، ودفع روسيا للاعتراف بالرئيس الجديد.
هذه اللقاءات السياسية بين كيري ولافروف في فرنسا وبين هولاند وبوتين وبينه وبين بوروشينكو بوتين في الذكرى السبعين لإنزال الحلفاء في النورماندي، عكست أجواء إيجابية نحو التسوية ودفعت برئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف للمطالبة بوضع حد لنزيف الدماء وبالرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو لإعلانه أن القتال في شرق البلاد يجب أن ينتهي هذا الأسبوع.
هاني قاسم /الثبات
18/5/140619
https://telegram.me/buratha