ليندا عجمي
مذ أن عرفناه تغيّرنا وتغيّر العالم من حولنا؛ جزم سماحة السيد حسن نصرالله. هو، رصاصة انطلقت من القرن السابع لتستقر في قلب القرن العشرين؛ قالها كبير الصحافة المصرية محمد حسنين هيكل. وصفه الكاتب اللبناني سليمان كتاني بقطبٍ عظيم لـم ينبض مشرقنا بمثيلٍ له. سمته مجلة التايم الأمريكية "رجل العام" سنة 1979؛ وقالت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر يوم رحيله، فقدت الأرض اليوم أنزه رجل عليها!
هو فقيه وعارف وفيلسوف ومفكر إسلامي وقائد وسياسي أسس نهجاً للحياة والثورة والأمة، بل هو النهج الإسلامي المحمدي النقي والصافي والأصيل إنه الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قدس).
ما كان الإمام الخميني(قدس) رجلاً عابراً في تاريخ البشرية، بل كان ظاهرة استثنائية في زمن استثنائي من حياة الأمة والعالم، لقد ترك في الناس - محبين وسواهم - إعجاباً وألف تساؤلٍ عن سرّه الشخصي، إذ كيف تجتمع في قلب رجل الرحمة والصلابة، العظمة والتواضع، الشدة واللين؟! كيف يجتمع الفقة والعرفان وإدارة الدولة وقيادة الأمة، كيف تجتمع حكمة الزعامة الثورية وإنسانية الحرص على نصرة المستضعفين المظلومين؟!
رغم كونه عالم الدين المتمرد الذي كتب فصلاً مغايراً عن أسلافه الذين سبقوه، فقد رسخ الإمام بقيمه ومبادئه وأفكاره ضرورة تمسك الأمة بأصالة إسلامها، لقد قال يوماً: في الإسلام حكومة واحدة، هي حكومة الله، وقانون واحد، هو قانون الله. لقد أعاد للمسلمين عز تاريخهم الماضي يوم شد أزرهم للثورة على الظلم والاستبداد والطغيان مؤمناً بضرورة التوكل على الله وبقوة إرادة الشعب؛ وما خذله ربه، وما تركه شعبه.
حمل الإمام الثورة فكراً ونهج حياة، عاش البساطة في يومياته، كان بين الفقراء واحداً منهم، وهو بين العظماء أعظمهم. لقد وزع الإمام كل ما ورثه ووصله من أموال وأراضٍ وبيوت ومجوهرات إلى البسطاء من الناس، وهو من ناضل معهم ولأجلهم لأعوام طوال في مواجهة الظلم والقهر والاستبداد والاستعمار. فما منعه التضييق، ولا الحجز ولا الاعتقال، ولا النفي من الجهاد ضد حكم الشاه قبل الثورة، وبعد انتصارها وتشكيل الحكومة الإسلامية، مواجهاً بإصرار أعتى قوى هذا العالم.
كانت إيران الشاهنشاهية شرطي الخليج وعين أميركا ويدها فيه، كان فيها 60 ألفاً من المستشاريين الأميركيين. يقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في بيروت الدكتور طلال عتريسي، في حديثه لموقع "العهد الإخباري": نجح الإمام الخميني في تحقيق استقلالية القرار السياسي لطهران بعيداً عن الشرق والغرب، موجهاً اهتمامه لقضايا العالم الإسلامي وهموم أمته. وفيما كان الأمريكيون يراهنون على فشل أبناء الثورة، قال الإمام مقولته الشهيرة: نحن نستطيع. لقد أنشأ الإمام نظام قائماً بكليته على الإسلام والإيدولوجيا الإسلامية. برأي عتريسي، الديموقراطية في جوهرها لا تتنافى مع الإسلام.
يسهب عتريسي في الحديث عن خصال الإمام، يقول: كان قائداً ثورياً استثنائياً، وسبباً لنجاح الثورة، إذ جعلها محط آمال المستضعفين. يذكّر بأن الإمام كان يعلم أن معظم الثورات تخمد بعد أن يستقر قادتها فى مناصبهم، لذلك جعل من الثورة نهجاً وعقيدة ثابتة ومستمرة للعمل على ترسيخ قواعد الدين ونهجاً لبناء المؤسسات وحماية الشعب وتحقيق مطالبه، ومحاربة كل ما يتناقض مع المبادىء والقيم. ما كانت الثورة عنده أداة للوصول إلى الحكم، بل مدخلاً لعصر جديد تحكمه قيم الإسلام السامية والعظيمة. ونجح في صناعة أجيال للثورة تؤمن بهذه المسلمات.
بين الثورة الخمينية والثورات العربية
شد الوهج الثوري الإيراني انتباه الملايين حول العالم، فجرت محاولات لاستنساخ الثورة أو تقليدها. يرفض عتريسي تشبيه ما يحصل اليوم بما كان قد جرى إبان إرهاصات الثورة الخمينية، فما يجري من أحداث دموية في أكثر من بلد لا يمت الى الثورات أو إلى الإسلام بصلة. فالإمام الخميني قاد مشروع التغيير الإسلامي في بلاده معتمداً على المد الشعبي الحاسم والتأييد الجماهيري الساحق، لا على القوات المسلحة أو العنف. وبعد استفتاء شعبي، أعلن قيام الجمهورية الاسلامية ثم أرسى للنظام قواعد متينة دستورياً ومؤسساتياً.
أما في زمان ثورات اليوم فالثورة تأكل بعضها، تدمر الدولة ومؤسساتها، تقتل المدنيين والأسرى، تبيح المحرمات وتمارس الموبقات، اعتماداً على فتاوى جاهزة، والتزاماً بأوامر قادة إرهابيين تكفيريين يفتون يمنة ويساراً وهم لا يفقهون في الإسلام شيئاً.
تعتبر بعض التصنيفات العالمية الإمام الخميني من بين أشهر عشرة قادة سياسيين في العالم في القرن العشرين، أما الكاتب الأمريكي روبين وودزورث كاريس، فيصف الإمام أنه "أعظم القادة السياسيين
شخصية في القرن العشرين وأنه أكثر من ذلك بكثير، إنه واحد من أفراد قلائل جداً ممن التقيت بهم ثم جعلوني شخصاً غير الذي كنت قبل"!
يختم عتريسي بالقول: من الظلم المقارنة بين ما يجري اليوم والثورة الإسلامية الإيرانية، فما يجري تشويهٌ لصورة الإسلام وتجاوز لكل القواعد والقوانين. وكما قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في خطاب عيد المقاومة والتحرير في مدينة بنت جبيل مؤخراً "إن من دواعي الأسف الشديد أن يُربط بين الإسلام وبين القتل العشوائي والذبح والتدمير والحرق والمجازر وأعمال الإبادة الجماعية وتدمير أماكن العبادة وقطع الرؤوس ونبش القبور وشق الصدور والقتل وإصدار أحكام الإعدام على الآخرين لمجرد الاختلاف معهم فقط في الموقف السياسي وليس لأسباب دينية وعقائدية، هذا الربط هو جريمة بحق الإسلام وخيانة من قبل أولئك الذين يقومون به".
في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لرحيل قائد الثورة الإسلامية وملهم الثوار في العالم تبقى الشعوب العربية والإسلامية والمستضعفة أكثر إيماناً وأملاً وأشد عزماً وإصراراً على صنع غدها المشرق والمتألق. ويبقى الإمام المؤمن بإرادة الشعوب وقدرتها على تجسيد الإسلام الحقيقي والإتكال على الله لإقامة دينه وحكمه في أرضه - في زمن الثورات الهجينة - حاجة لشعوب الأرض ومثالاً ثورياً يُحتذى.. وهو اللائق حتماً وحقاً بأن يكون النموذج والقدوة.
6/5/140604
https://telegram.me/buratha