د.محمد العبادي ||
لقد جاء الإسلام من أجل ان يعيش الناس جميعا بسلام آمنين ، ولهذا فقد ارسل الرسول الأكرم رحمة للعالمين، وليس للمسلمين فقط ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين ) (١).
ان النبي الكريم هو اسوتنا وقدوتنا ، وقد جمع بين القبائل المتفرقة وصهرها في قالب الإسلام وزرع الالفة بين النفوس واستانسوا بتلك الوحدة، وحسبنا ان نشير إلى عمله المبارك في صلح قبيلتي الأوس والخزرج (وألف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم).(٢).
ان الاسلام يؤكد على الوحدة بين المسلمين ونبذ الفرقة والاختلاف ( ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)(٣).
وقد دعا الله تعالى جميع الناس إلى التمسك بحبل الوحدة ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا)(٤).
ان الله تعالى يريد من الناس ان يتقربوا إليه بالعبادة والوحدة لا أن يتقربوا إليه باسباب الفرقة (إن هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون)(٥).
نعم لقد وضع الله أسباب الوحدة في الإسلام حتى لو فرقتهم المذاهب فان في الإسلام مايجمعهم ويصف هذه الأمة بأنها ( أمة واحدة ) .
ان هذه الامة الاسلامية فيها من أسباب القوة مايجمعها على الوحدة ؛ فقد جعل قبلتنا واحدة ، وربنا واحد ونبينا واحد، ووضع تسمية ( مسلم ) لكل من شهد الشهادتين وصان دمه وماله وعرضه ، وقرآننا واحد، وحجنا واحد ، وصومنا واحد ، وصلاتنا إلى الله تعالى لا لغيره واحدة ، ونؤمن بالله ورسوله وملائكته وانبيائه ورسله وأن الموت حق والحساب حق والجنة حق والنار حق و..و..الخ.
ان ضعف هذه الأمة في تنازعها واختلافها وممايؤسف له ان ابرز صفة ( لكثير ) من المسلمين في عصرهم هذا هي صفة ( التشرذم والاختلاف) حتى لقد طمع بهم الأعداء ونبشوا في تراثهم الثر ، واثاروا كل شاذة شاردة في سبيل ان يصنعوا العداوة فيما بينهم وقد نجحوا الى حد بعيد في مساعيهم الشريرة .
ان مدرسة اهل البيت ( عليهم السلام ) هي مدرسة الوحدة والتقريب بين المسلمين والدفاع عنهم ؛ فقد قال امير المؤمنين (عليه السلام ) : ( والله لأسلمن ماسلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، التماسا لأجر ذلك وفضله ، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه)(٦).
ولامير المؤمنين (عليه السلام) مواقف تشير إلى انه كان يرفض الفتنة والاختلاف بين المسلمين رفضا قاطعا كما هو في قوله المشهور لعتبة بن أبي لهب : (سلامة الدين أحب إلينا من غيره )( ٧)، أو قوله لأبي سفيان عندما أراد مبايعته وجلب الرجال ضد الحكم القائم آنذاك حيث زجره الإمام (عليه السلام ): ( والله انك ما أردت بهذا إلا الفتنة ، وأنك والله طالما بغيت للإسلام شرا لاحاجة لنا في نصيحتك)(٨).
وقد قال الإمام السجاد (عليه السلام) في دعائه:( وصحن ثغور المسلمين بعزتك ... وألف جمعهم ودبر أمرهم وواتر بين ميرهم )(٩).
ان الحكمة من بعث الأنبياء والرسل وانزال القرآن الكريم هي تقريب الناس إلى رحمة الله تعالى وإحياء مكارم الأخلاق وتتميمها فيهم .
ان النفخ في نار الفتنة وايقاظها مع شدة الزمان وتظافره وتظاهره وفتنه على المسلمين جميعا لا يخدم إلا الأعداء .
لقد تصدى أكثر من عالم نحرير ومرجع بصير للفتن التي يعمل على تأجيج نارها الأعداء واطفئوا نيرانها المستعرة ، فانبرى السيد الخميني لبعث الوحدة فافتى بصحة الصلاة خلف السني ودافع عن المسلمين في فلسطين وغيرها ، ووثب السيد السيستاني لإحياء الوحدة بين الناس فقال عن اهل السنة أنهم انفسنا ودافع عن اهل العراق بغض النظر عن هوياتهم المذهبية والقومية ، وتصدى السيد الخامنئي والشيخ مكارم الشيرازي لأولئك الذين يتناولون السيدة عائشة وهكذا باقي العلماء الذين يسيرون على طريق اهل البيت (عليهم السلام ) وهو طريق السلامة والاستقامة والوحدة.
١-سورة الأنبياء: الآية ١٠٧.
٢- سورة الأنفال: الآية ٦٣.
٣-سورة الأنفال: الآية ٤٦.
٤- سورة آل عمران: الآية ١٠٣ .
٥- سورة الأنبياء: الآية ٩٢.
٦-الزبير بن بكار،الأخبار المو فقيات ،ص٥٨١ .
٧-ابن الأثير، الكامل في التاريخ ، ج٢ص٣٢٦
٨- الإمام علي عليه السلام ( صبحي صالح )، نهج البلاغة ، الخطبة ٧٤.
٩- الامام زين العابدين ،الصحيفة السجادية ، من دعاء له عليه السلام لاهل الثغور.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha